والجوابُ على ذلك أنّا لو سلَّمنا صحةَ هذا الحديث ، فإنَّ منطوقَ قول النبي الخاتَم صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( كلُّ بِدعةٍ ضلالةٌ ) الدال على الاستيعاب والعموم بالأداة ( كل ) يفسرُ المفهومَ المستفاد من ( بِدعةِ ضلالةٍ ) ويتقدمُ عليه. فمثلاً لو قيلَ : ( كلُّ نميمةٍ سوءٌ ) ، ثمَّ قيلَ ( مَن نمَّ نميمة سوءٍ ) ، فهذا يعني ملازمةَ صفة ( السوء ) للنميمة ، بعد استيعابها بالأداة ( كل ) ، وليسَ فيه أي إيحاء بأنَّ هناك نميمة حسنة في المقابل ، هذا أولاً.
وثانياً : إنَّ مثل هذا مثل المفهوم غيرُ ثابت عند أهل التحقيق والنظر من علماء الفريقين ، ولو سلَّمنا ثبوتَه فإنَّه لا ينفعُنا في المقام شيئاً؛ لأنَّ الأدلةَ الصريحة والمستفيضة قد دلَّت بصراحةٍ وبشكلٍ مطلق على لزوم الضلالة للبِدعة من دون انفكاك ، فيكون القيدُ في هذا الحديث ، من قبيل القيدِ في قوله تعالى :
|
( يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأكُلُوا الرِّبا أَضعافاً مُّضاعَفَةً ) (١). |
فأكلُ الربا يبقى حراماً وإن وُصفَ بكونه ( أضعافاً مضاعفةً ) ، ولا يعني أنَّه إذا لم يكن ( أضعافاً مضاعفةً ) فإنَّه جائزٌ أوممدوح.
كما قد يُعترض على ما تقررَ من أنَّ ( البِدعة ) في الاصطلاح الشرعي لم تُستعمل إلاّ مذمومةً ، ولم تُطلق إلاّ على خصوص الحادث المذموم ، بورود الاستثناءِ المستفادِ من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الحديث الشريف :
|
( عملٌ قليلٌ في سُنَّةٍ ، خيرٌ من عملٍ كثيرٍ في بِدعة ) (٢). |
__________________
(١) آل عمران : ١٣٠.
(٢) المتقي الهندي ، علاء الدين ، كنز العمال ، ج : ١ ، ح : ١٠٩٦ ، ص : ٢١٩.