فيدلُّ الحديثُ كما يُدَّعى على المفاضلة بينَ قليل ( السُنَّة ) وكثيرِ ( البِدعة ) ، وهذا يعني أنَّ لكثير ( البِدعة ) نحواً من القبول والصحة ، وإلاّ لما وقعت هذه المفاضلةُ المذكورة.
وفي الحقيقة أنَّ مَن له أدنى اطلاع على طبيعة الخطابات الشرعية ، ومَن يمتلكُ ولو مقداراً يسيراً من التعامل والتماسِّ مع النصوص الإسلامية ، يدركُ بأنَّ المقصودَ من الحديث هنا مجاراةَ الخصم ومسايرته ، أي : ( لو كانَ في البِدعة خيرٌ ، فقليلُ السُنَّة خيرٌ من كثير البِدعة ) فالبِدعةُ لا خيرَ فيها مطلقاً ، وبعبارةٍ أُخرى : ( إنَّ الإنسانَ لو كانَ ملتزماً بسننٍ قليلةٍ محدودةٍ تقعُ مورداً للقبول ، فهو خيرٌ له من المواظبة على بدعٍ كثيرةٍ متعددة لأنَّها باطلة ).
ويمكنُ إيضاحُ الخطاب بالمثال التالي : ( عملٌ قليلٌ مع الإخلاص ، خيرٌ من عملٍٍ كثيرٍ مع الرياء ) ، فلا يمكنُ الادِّعاءُ في هذا المثال بأنَّ لـ ( الرياء ) نحواً من القبول ، باعتبار وقوع المفاضلة بين كثير ( الرياء ) وقليل ( الإخلاص ) ، بل المقولةُ واضحةُ الدلالةِ في توضيح خطورة ( الرياء ).
فالحديثُ إذنْ ، في موردَ التأكيد على الالتزام بالسُنَّة ، والتهويل من فداحة خطر ( البِدعة ) ، لا سيما إذا ضممنا إلى ذلك تلك النصوصَ الشرعية المصرِّحةَ بذم ( البِدعة ) ، وانتقادها بشكل مطلق ، وإذا ما التفتنا إلى أنَّ هذهِ الصيغة من الخطاب ، أي الصيغة المذكورة في حديث : ( قليلٌ في سُنَّةٍ ، خيرٌ من كثيرٍ في بِدعة ) جاريةٌ في جملةٍ من النصوص الشرعية الأخرى ، وفي المحاورات العرفية العامة.
فقد ورد عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنَّه قال :
|
( ما أحدثَ قومٌ بِدعةً إلا رُفعَ من السُنَّة مثلُها ، فتمسُّكٌ بسُنَّةٍ خيرٌ من إحداثِ بِدعة ) (١). |
__________________
(١) العسقلاني ، ابن حجر ، فتح الباري ، ج : ١٣ ، ص : ٢٥٤.