ولسانُ المقولتين واضحٌ في ذم البدع ، وعدِّها في مقابل السُنَّة ، والتحذير منها ، وهذا يعني أنَّها استُعملت في كلام ( ابن عباس ) في مورد الذم أيضاً.
* قالَ ( الكانَدهلوي ) في ( حياة الصحابة ) :
|
( أخرج الطبراني عن عمرو بن زرارة قالَ : وقفَ عليَّ عبدُ اللّه ـ يعني ابن مسعود رضيَ اللهُ عنه ـ وأنا أقصُّ ، فقالَ : ـ يا عمرو ، لقد ابتدعتَ بِدعةَ ضلالة ، أو انَّكَ لأهدى من محمدٍ صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ وأصحابه؟ ولقد رأيتُهم تفرقوا عني ، حتى رأيتُ مكانَي ما فيه أحدٌ ) (١). |
والكلامُ في قول ( ابن مسعود ) : ( لقد ابتدعتَ بِدعةَ ضلالة ) كالكلام في قول النبي الخاتَم صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( ومَن ابتدعَ بِدعةَ ضلالة ) (٢) ، وقد تقدمَ أنَّ هذا القيد لا يدلُّ على المفهوم ، ولا يُخرج ( البِدعة ) عن أصل وضعها لخصوص الموارد الحادثة المذمومة ، كما هو الحال في معالجة ( ابن مسعود ) هذه وفقاً لوجهة نظره الخاصة.
* روي أنَّه لمّا عاقبَ أميرُ المؤمنين علي عليهالسلام المغالينَ الذين ادّعوا الوهيّتَهُ ، وأنكروا نبوةَ الرسول الخاتَم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بأنْ قتلَهم بالدخان ، قدمَ عليه يهودي من أهل ( يثرب ) ، قد أُقرَّ له في ( يثرب ) من اليهود أنَّه أعلمُهم ، وكانَ معه عدةٌ من قومه وأهل بيته ، فبادرَ علياً عليهالسلام بالقول :
|
ـ ( يابنَ أبي طالب ما هذهِ البِدعة التي أحدثتَ في دين محمّد؟ فقالَ عَليهِ السلامُ : ـ وأيةُ بِدعةٍ؟ فقالَ اليهودي : |
__________________
(١) الكاندهلوي ، حياة الصحابة ، ج : ٤ ، ص : ٧٧.
(٢) الدارمي ، سنن الدارمي ، ج : ٥ ، كتاب العلم ، باب : ١٦ ، ح : ٢٦٧٧ ، ص : ٤٤.