الدليل الثاني
الخلاف بينَ الخلفاءِ الأربعةِ يناقضُ الأمرَ بإتباعهم جميعاً
حصلت خلافاتٌ حادةٌ بينَ الخلفاء الأربعة المدَّعى شمول حديث ( سُنَّة الخلفاء الراشدين ) لهم جميعاً ، وعلى حدٍّ سواء ، وكانت الدرجةُ التي تبلغها بعض هذهِ الخلافات درجة لا تقبلُ إمكانيةَ الجمع بين الآراء ، والتماسَ المبررات والأعذار ، لأنَّها تناولت قضايا دينيةً مصيرية تتعلقُ بأصل التشريع والسُنَّة النبوية الشريفة ، فلو كانَ الخلفاءُ الأربعةُ بمجموعهم يمثلونَ مصدراً من مصادر التشريع على ما يُدَّعى استفادتُه من حديث ( سُنَّة الخلفاء الراشدين ) ، لما أمكننا أنْ نتصورَ وقوعَ الاختلاف في أمر التشريع ومتعلقاته بأبسط صوَرِهِ وأنحائه ، فضلاً عن وقوعه بالدرجة التي لا تقبلُ الجمعَ والتلفيق.
وسوف نستعرضُ بعضَ النماذج لصور الخلافات في أُصول التشريع والأُمور الدينية الحساسة التي وقعت بين الخلفاء الأربعة على مستويين :
المستوى الأول : الخلافاتُ التي وقعت بينَ ( أبي بكر ) ، و ( عمر ) ، و ( عثمان ) من جهة ، وبينَ أمير المؤمنين علي عليهالسلام من جهة أخرى.
المستوى الثاني : الخلافاتُ التي وقعت بينَ كلٍّ من ( أبي بكر ) ، و ( عمر ) ، و ( عثمان ). وهناكَ مستوىً ثالث للخلاف يسيرُ بنفس الاتجاه ، ويبطلُ دعوى انطباق حديث ( سُنَّة الخلفاء الراشدين ) على ( الخلفاء الأربعة ) جميعاً ، وهو الخلافُ الواقع بين ( أبي بكر ) ، و ( عمر ) ، و ( عثمان ) من جهةٍ ، وبينَ علماءِ العامة ومحققيهم من جهة أُخرى في الكثير من أُمور التشريع ، لأنَّه لو وجب إتباع سُنَّتهم لما ساغ للجميعِ مخالفتُهم ، وخصوصاً العلماء ، وهذا ما لا يسعُنا الخوضُ فيه ضمنَ دراستنا هذهِ ، ولذا فسوف نقتصرُ على ذكرِ بعضِ النماذج البارزة لصورتي الخلاف الأُوليتين ، ونعتقدُ إنَّ فيهما الكفايةَ للدلالة على المقصود.