(١)
إطلاق لفظِ ( البدعة ) على صلاة التراويح
يشكّلُ إطلاقُ لفظ ( البدعة ) في الحديث المتقدم على هذهِ الصلاة قرينةً واضحةً على عدم وجود أيِّ ارتباط بين هذهِ الصلاة وبين الدين ، فمن الواضح أنَّ مفهومَ ( البدعة ) قد أخذ بُعدَه الاصطلاحي في مرتكزات الأصحاب ، نتيجةً لتناول النصوصِ النبويةِ له بكثرةٍ وتكرار ، وتأكيدِها على ذمِّه وانتقادِه ، ودعوتِها إلى ضرورة مواجهته ومكافحته واستئصاله.
فلفظ ُ ( البدعة ) الواردُ في هذا الحديث إمّا أن يُرادَ به المعنى الاصطلاحي المرتكز في أذهان المتشرعة المؤمنين آنذاك ، أو يرادَ به المعنى اللغوي المحض.
فإنْ أُريدَ منه المعنى الاصطلاحي الذي تناولته الأحاديثُ النبويةُ الشريفةُ بالذم واللوم والتقريع ، فهذا يعني الأمرَ الحادثَ الذي لا أصلَ له في الدين ، وهو ثابتٌ بالاتفاق.
وإنْ أُريدَ منه المعنى اللغوي المحض ، فهو يعني الأمرَ الحادثَ من دون مثالٍ سابق ، والمبتكرَ بعد أنْ لم يكن موجوداً من قبل ، كما دلّت على ذلك ( الكتب اللغوية ) (١).
__________________
(١) للبدعة في اللغة أصلان ، أحدُهما : ( البَدع ) ، وهو مأخوذٌ من ( بَدَعَ ) ، وثانيهما : ( الإبداع ) ، وهو ما مأخوذٌ من ( أبدعَ ) ، وكلا هذين الأصلين يعطي معنىً واحداً ، وهو عبارة عن إنشاء الشيء لا على مثالٍ سابق ، واختراعه وابتكاره بعد أن لم يكن.
يقول الفراهيدي عن ( البَدع ) : ( هو إحداثُ شيء لم يكن له من قبل خلق ولا ذكر ولا معرفة ). انظر : الفراهيدي ، العين ، ج : ٢ ، ص : ٥٤ ،
ويقولُ الراغبُ عن ( الإبداع ) : ( هو انشاءُ صفةٍ بلا احتذاء واقتداء ) ، انظر : الراغب الاصفهاني ، معجم مفردات ألفاظ االقرآن الكريم ، ص : ٣٦.