فإنّا لو كنّا مع مفهوم ( البِدعة ) بمعناها المجرّد عن مراد الشريعة وقصدها ، فإنها تعني : الأمر المحدث الذي ليس له سابق مثال ، وهذا المعنى يتحملُ أن يكونَ مذموماً ، وأن يكون ممدوحاً ، لأنَّ هناك أُموراً كثيرة تحدثُ وتُبتدعُ بعد عصر التشريع ، مما لم تنلها الأحكام ، والأدلةُ الخاصة ، فتتصفُ بالمدح تارةً ، وبالذم أُخرى ، بل يمكنُ أن تتصفَ بالعناوين الشرعية الخمسة أيضاً.
ولكن بعدَ أن تضيَّقت دائرةُ دلالة هذا المفهوم ، وأصبحَ شاملاً لخصوص الأمر المحدث الذي يُدخَلُ في الدين من دون أن يكونَ له أصلٌ شرعي فيه ، فلا يمكن حينئذٍ أن نتصورَ له قسماً ممدوحاً بشكل مطلق ، وأمّا أدلةُ نفي التقسيم فهي :
الدليل الأول
المعنى الشرعي للبِدعة لا يقبل الانقسام عقلاً
إن الضرورةَ العقلية تقضي وتحكم بعدم إمكانية عروض التقسيم على مفهوم ( البِدعة ) ، فمن خلال التدقيق في المعنى الاصطلاحي الوارد لتحديد مفهوم ( البِدعة ) في النصوص الشرعية ، نلاحظُ أن هذا المفهوم غيرَ قابل للتقسيم بحد ذاته أصلاً ، ولا يمكنُ أن يعتريه أيُّ استثناءٍ أو استدراكٍ أساساً ، إذ أنَّ معنى ( البِدعة ) في الاصطلاح الشرعي هو : ( إدخال ما ليس من الدين فيه ) ، وهذا يعني أنَّ ( البِدعة ) تشريعٌ بشريٌّ وضعي ينصبُ نفسه في مقابل التشريع الإلهي المقدّس ، ويضاهي السُنَّة الشريفة ، ويتحدى تعاليمَ السماء ، فهل يُعقل أن نتصورَ قسماً ممدوحاً لمثل هذا اللون من الإدخال؟ وهل يمكنُ أن يتصفَ مثل هذا التشريع بالمدح والإطراء؟! أو أن يتصفَ بواحدٍ من الأحكام الشرعية الخمسة غير التحريم المطلق؟