تسير في نفس الاتجاه الأصلي المذكور ، وإنَّما نرى أنَّ هناك نصوصاً شرعية مماثلة في الصراحة ، وقوة الدلالة على استثناء بعض أنواع الكذب من أصل التحريم ، إذ قد يخرج من دائرة التحريم إلى دائرة الوجوب ، فيما لو توقّف عليه حفظُ نفسٍ مؤمنةٍ من القتل والهلاك مثلاً.
ومفهومُ ( الغيبة ) كذلك ، يخضعُ لنفس التعامل الذي صدر من الشريعة بشأن الكذب ، فهو مذموم ممقوت في نظر الشريعة ، ويُعدُّ من كبائرِ الذنوب ، إلاّ أنَّ هناك موارد ذكرتها النصوصُ الإسلامية تحت عنوان ( جواز الاغتياب ) ، يتم الانتقالُ بموجبها من الحكم الأولي بالتحريم ، إلى أحكام أُخرى كالجواز مثلاً ، فيما لو كانَ المغتاب متجاهراً بالفسق ، ومعلناً له مثلاً.
وهكذا الأمرُ في الكثير من المفاهيم الإسلامية المذمومة الأخرى ، حيثُ يردُ الاستثناءُ صريحاً فيها ، فتتحولُ بواسطة هذا الاستثناء من الحكم الأولي المحرَّم ، إلى أحكامٍ ثانوية أخرى ، كالإباحة ، أو الندب ، أو الوجوب ، أو الكراهة ، بحسب مقدار دائرة وحدود ذلك الاستثناء ، ونوع القيود التي وضعتها الشريعةُ له.
وما دمنا نتفقُ على أنَّه لا يوجد أيُّ لونٍ من ألوان الاستثناء الشرعي الصريح في خصوص الأدلة التي تناولت بأجمعها ذم الابتداع وانتقاده الشديد ، وما دام لا يمكن لأيِّ أحد أن يّدعي ذلك ، وحتى أُولئك الذين يقولُون بالتقسيم ، إذ أنَّهم لا يبنونه على أساسِ النص الشرعي الصريح وإنَّما على التنظير العقلي المحض ، أو على استفادات بعيدةِ المنال من بعض النصوص الشرعية ... فما دمنا نتفقُ على ذلك ، فلا بدَّ أن نتفقَ أيضاً على أنَ مفهومَ ( البِدعة ) لا يمتلكُ إلا قسماً واحداً مذموماً ، ولو وُجد لهذا المفهوم قسمٌ آخرُ ممدوح؛ لأعربت عنه الشريعة ، ولما تجاهلته وأهملته ، كما هو الشأن في جميع المفردات التشريعية الأخرى.