وسنفصّل الحديث عن هذه المرحلة في الفصل التالي حيث نشرح تطوّر المجتمع الإنساني في هذه المرحلة عبر استعراض تكامل النبوات وختمها وبلوغ حقبة الوصاية الإلهية.
ذكرنا سابقاً أنّ النظرية الإسلامية في فلسفة التاريخ يحكمها التفاؤل ، فهي تنظر إلى المستقبل البشري بإيجابية وتلتقي مع المدارس التي تؤمن بغدٍ سعيد ومزدهر تسود فيه قيم العدل والرخاء والرفاه.
وهي ترى : أنّ نهاية المسار التاريخي تكون السيادة فيه للمتقين والصالحين ويرث الأرض المستضعفون.
( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) [ الأنبياء ].
( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ) [ الأعراف ].
هذا التوريث الإلهي هو تنفيذ للوعد الإلهي بأن يمكّن المؤمنين ويستخلفهم في مجتمع لا شرك فيه.
( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَ ئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) [ النور ].
هذا المجتمع الصالح ضرورة تاريخية لابدّ منها مهما طال الزمن ، وهو ما عبّرت عنه الروايات الواردة من طرق العامّة والخاصّة ومن هذه الروايات : ـ لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله تعالى رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً ـ (١).
__________________
١ ـ مهدي الفقيه الأيماني ، الإمام المهدي عند أهل السنّة ، ص ٢٠٧ ، نقلاً عن كنز العمّال.