كلّ ذلك يجعل من طرح تفاصيل المنظور المهدوي وتأثير عقيدة المهدي في الوعي التاريخي مسألة حيوية لابدّ منها لاستكمال تفاصيل النظرية الإسلامية.
وسنحاول اختزال أصول هذا الوعي التاريخي من منظور خاص في النقاط الخمس التالية :
|
ـ أوّلاً : هل تتنافى عقيدة المهدي مع فكرة سنن التاريخ؟ ـ ثانياً : هل يلغي دور المهدي في التاريخ مسؤوليات الأُمّة؟ ـ ثالثاً : المسار التاريخي في ضوء عقيدة المهدي : الصورة الكاملة. ـ رابعاً : المستقبل السعيد وتفاصيله في ضوء عقيدة المهدي. ـ خامساً : التزامن بين التكامل التشريعي والتكامل التكويني. |
حينما يطّلع البعض على دور المهدي في الإصلاح العالمي وقيادة المجتمع البشري نحو السعادة والكمال ـ كما تشرح تفاصيله الروايات ـ يتوهّم أنّ حركة التاريخ وصناعة المستقبل تتوقّف على هذا القائد وحده ، وتُسقِط كلّ العوامل الأخرى.
ويتهاوى أي معنى لقوانين التاريخ وسُنَن حركة الحضارات؛ بل الإمام الغائب وحده هو الذي يصنع النصر الكبير.
فهل يصطدم حقّاً الاعتقاد بالمهدي مع سنن التاريخ؟
من المفيد قبل الإجابة عن هذا الإشكال أن نعالج المشكلة على مستوى النظرية العامة؛ لأنّ هذه الشبهة تثار بالأساس حول السنن والاختيار الإنساني ، وهل يمكن الجمع بين سنن وقوانين التاريخ وحرّية الإنسان واختياره ولو في الجملة؟ وكيف يصنع الإنسان مصيره مع أنّ السنن والقوانين لا تختلف ولا تتخلّف؟
ولذلك يتوهّم البعض أنّ الدفاع عن مبدأ الاختيار الإنساني يقتضي رفض فكرة السنن ، فقالوا : باستثناء الساحة التاريخية ، وتمييزها عن الساحة الكونية فيما يرتبط بفكرة القوانين.
وفي الإطار الخاص يقال نفس الكلام : الاعتقاد بالمهدي وبدور القائد الكبير في تغيير مجرى الأحداث يستلزم رفض فكرة قوانين التاريخ.