في هذا الطور تحرّكت النبوات على مستوى البشرية ، ويعتبر الأنبياء موسى عليهالسلام وعيسى عليهالسلام ومحمّد صلىاللهعليهوآله من أقطاب هذا الاتجاه ، وتوّج هذا الطور النبي محمّد صلىاللهعليهوآله الذي على يده يدخل التاريخ مرحلة جديدة : مرحلة النبوة الخاتمة ، وتبلغ العالمية ذروتها وأوجها. ولا يعني الحديث عن عالمية النبوات إلغاء التحرّك الفعلي في دائرة أضيق ، فالنبي موسى عليهالسلام ركّز تحرّكه على بني إسرائيل فأنقذهم من فرعون ، ومارس قيادة الدولة بنفسه.
إنّ أهمّ التطوّرات التي عرفتها النبوّة على يد موسى عليهالسلام تتلخّص فيما يلي :
أوّلاً : مباشرة قيادة الدولة ، وهذا تحوّل هامّ في خطّ الأنبياء الذين كانوا يقودون المجتمعات بطريقة غير مباشرة ، وسنرى فيما بعد أن هذا الاتجاه يتعمّق أكثر فأكثر مع داود وسليمان ، ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ) [ ص ].
فبينما كان الأنبياء السابقون محكومين من الناحية العملية لملوك آخرين قد يكونون من أشدّ الناس كفراً وظلماً ، ولم يحاول نبي سابق قبل موسى عليهالسلام أن يسيطر على الحكم وإن حاول إبراهيم عليهالسلام أن يدخل حاكم عصره في دائرة الإيمان ، وهذا معنى آخر غير السيطرة على الحكم (١).
ثانياً : إيجاد شريعة متكاملة وهي أكثر تفصيلاً من شريعة نوح عليهالسلام ، ( ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) [ الأنعام ].
( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ) [ الأنبياء ].
ثالثاً : مباشرته للقتال ، وهذه نقلة نوعية أخرى تحولت بموجبها النبوّة من مجرّد الإقناع والجدال إلى السيطرة والهيمنة والتوسّل بالقوّة في سبيل ذلك ، وأصبح من أدوار المؤمنين حملهم رسالة الدين إلى العالم.
__________________
١ ـ المصدر نفسه ، ص ٤٦٢.