إنّ وجود منظومة أخلاقية وتشريعية دينية يجعل المسائل الجزئية لتلك المنظومة تكتسب أهمّيّتها لدى العرف العام ، باعتبار أنّها جزء من المنظومة الأخلاقية والاجتماعية ، مما يمكّننا من الدفاع عنها أمام غير المسلّمين بها ، وكمثال فإنّ يد الإنسان لها كلّ القيمة إذا كانت متصلة ببدنه ، بخلاف ما لو كانت منفصلة عنه ، وعلى الذي يريد أن يناقش مسألة من مسائل الشريعة عليه أن يناقشها بما هي جزء من منظومة متكاملة ، لا أن يعزلها عن بقية الأجزاء ثمّ يبدأ بمناقشتها.
ولو أخذنا مسألة الحجاب كمثال ، فإنّ أصل تشريعه وكذلك فرضه على المرأة دون الرجل يمكن مناقشته بناءً على ما تقدّم ، وبحيث يجاب على كلّ الأسئلة والاعتراضات الموجّهة إليه ، فإنّ المشرِّع لهذا الدين ينطلق في تشريعاته من تصوّر للمجتمع الذي يريده ، أي الذي يقوم على أساس النظام الأسروي وعلى العفّة ، وبالتالي لابدّ من تشريع الأحكام التي تكفل ذلك مع مراعاة خصائص الذين تتعلّق بهم تلك الأحكام ، فنراه أوّلاً ينصّ على التربية الصالحة ، وغرس القيم في نفوس الأبناء ، وعلى التوعية والعلم لينشئ النفس الإنسانية الصحيحة ، ثمّ يعالج قضايا الميل الغريزي بين الجنسين على أساس التحصين التربوي والفصل بينهما ما أمكن ـ تحريم الاختلاط غير المبرّر والخلوة ـ ، وعدم إبداء الزينة حتّى لا يكون شيء من ذلك سبباً في إيقاظ الغرائز وتفعيلها ، فشرّع الحجاب وأمر بغض البصر وما شابه.
وكلّ ذلك ضمن منظومة تشريعية متكاملة ، فالحجاب هو جزء متمّم وليس هو كلّ القضية ، ولكن المركّب بطبيعة الحال لا يكون حاصلاً إلا إذا اكتملت كلّ أجزائه ، فلا ينقض علينا هنا بأنّه يمكن الاكتفاء بالتربية ، لأنّها جزء السبب وليست تمامه ، ولا ينقض علينا بالحرية الشخصية ، وأنّ السلوك والعلاقة بين الطرفين تابع لتلك الحرية ، لأنّ ذلك مخالف لأساس النظرية ، وهي طبيعة الصورة الربّانية للحياة الاجتماعية والأسس التي ينبغي أن تقوم عليها ، والتي هي ذاتها الصورة التي تمليها الفطرة الإنسانية.
إنّ الخلاف بيننا وبين الغرب ليس في مسألة الحجاب كمسألة جزئية ، وليس في الفصل بين الرجال والنساء كذلك ، وإنّما هو في أصل الصورة الاجتماعية المنشودة وقيمها