هـ. من النقلات النوعية الحاصلة في هذه المرحلة حديث هؤلاء الأنبياء عن المستقبل المشرق للبشرية ، ويتجلّى ذلك بوضوح خاصّة على لسان داود : عليهالسلام ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) [ الأنبياء ].
في ضوء هذه التحوّلات بدأت البشرية تدرك أكثر فأكثر البعد العالمي لظاهرة النبوّة وأنّ نجاحها الكامل سيتحقّق في المدى البعيد بإرث الصالحين للأرض وتبلغ النبوات العالمية أوجها على يد النبي محمّد صلىاللهعليهوآله الذي أذِنَت نبوته بتأسيس مرحلة جديدة في التاريخ البشري أسميناها : مرحلة النبوّة الخاتمة.
في هذه المرحلة كان إعلان الرسول صلىاللهعليهوآله رسالة الإسلام تتويجاً لجهود الأنبياء ، ( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَ كِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) [ الأحزاب ].
لقد استفادت رسالة النبي صلىاللهعليهوآله من أساسين اثنين حقّقتهما حركة الأنبياء عليهمالسلام :
أ. خروج الناس من التخلّف الفكري والقصور الذهني.
ب. بلوغ الوعي الإنساني مرتبة من الرقي تسمح له بتقبّل أطروحة مفصّلة لنظام اجتماعي نموذجي.
واستطاعت تحقيق إنجازات مهمّة أخرى على مستوى التطوّر التاريخي وأهمّها :
أوّلاً : تصوّر توحيدي في درجة عالية من التنزيه لم تبلغها أي رسالة من الرسالات السابقة ، ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) [ الشورى ] ،.
( ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) [ الأنعام ].
( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَ هَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [ آل عمران ].
ثانياً : شريعة كاملة تستوعب كلّ المجالات التربوية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) [ النحل ].