نعم ، كما ينتصر المهدي على سلاطين السياسات والجور ينتصر على ـ سلاطين الدين ـ والتزييف والتحريف الذين يوظّفون الدين لخدمة أمجادهم وفرض مصالحهم وأطماعهم.
السمة الأخيرة للوعي التاريخي من منظور خاص والتي يجب التأكيد عليها هي التزامن العجيب بين التكاملين التكويني والتشريعي.
عالم التشريع : هو عالم الجعل والتقنين ( الأحكام الشرعية وتطبيقاتها في الواقع ).
عالم التكوين : هو عالم الخلق والإيجاد ( الطبيعة ).
صار واضحاً مما سبق أنّ المجتمع والتاريخ والطبيعة كلّها خاضعة لقانون التكامل : الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى )) [ الأعلى ] ، ( قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) [ طه ].
ورأينا أنّ التاريخ يتكامل ، ورغم كلّ النكسات الموضعية والانحرافات الحاصلة هنا وهناك ، ورغم كلّ الحروب والمظالم التي تعجّ بها الأرض ، فإنّ المسيرة تسير صوب الهدف والمستقبل السعيد ، فالتزام البشر بالأحكام التشريعية والانحياز نحو القيم الإلهية والاستماتة في الدفاع عن معاني الحقّ والعدالة كلّها اتجاهات تتعمّق مع الزمن متحدية الاستكبار العالمي الذي يحاول إبقاء هيمنته على العالم وثقافته واقتصاده وقدراته.
فالبشرية تتجه أكثر فأكثر إلى المعنويات والقيم الفكرية والدينية ، وهذا التوجه ينبئ أننا سنصل في يوم ما لمجتمع عادل ينشد العدالة والقيم قبل أن يبحث عن المأكل والملبس والمسكن ، فهذا المجتمع لا يعيش أزمة غذاء ولا نقل ولا سكن لأنه يستحق الرفاه المادي ويجده ببركات النظام العادل الذي يقيمهُ.
وعلى مستوى التكوين ، كلّ مفردة في الكون لها مسار تكويني تتحرّك فيه قهرياً والكون بمجموعه يتحرّك نحو نهاية محدودة : ( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ )