الفصل الخامس
فلسفة الغيبة
بعد طرح أصول الوعي التاريخي في المنظور المهدوي لابدّ لأجل استكمال بناء النظرية من استعراض ثلاث مقولات مركزية للقضية المهدوية ألا وهي : الغيبة ، الانتظار ، تعجيل الظهور.
في هذا الفصل نبحث في المقولة الأولى ، وفي الفصل السادس نعالج المقولة الثانية ، ونترك المقولة الثالثة للفصل السابع والأخير.
لقد كثر اللغط والجدل حول غيبة الإمام حتّى أحيطت بظلال قاتمة من الحيرة والغرابة زلّت معها الكثير من الأقدام في أوحال التشكيك والتكذيب ، عن الإمام العسكري عليهالسلام : ـ ألا إنّ لولدي غيبة يرتاب فيها الناس إلا من عصمه الله عزّ وجلّ ـ (١).
هذه الغيوم زادها اتساعاً إعراض الكثيرين عن الكتابة في الموضوع مما جعل ( الثقافة المهدوية ) تفتقر إلى الكثير من البحوث والدراسات الشاملة والمعمّقة فيما يتعلّق بهذه المسألة بالذات ( الغيبة فلسفتها وأبعادها ).
و ـ الثقافة المهدوية ـ بكونها الأرضية الفكرية والعقائدية للارتباط بالمهدي ، والقاعدة التربوية لتنشئة جيل مهدوي عاطفياً ومفاهيمياً وسلوكياً ، عليها أن تتصدّى لهذا البعد المُهمَل نسبياً ، ولابدّ ألاّ تكتفي لتفسير المسألة بالبعد الغيبي فقط ـ وإن كان لهذا العامل دور مركزي في المسألة ـ ولكن عليها أيضاً أن تعالج الفكرة في عمقها التاريخي والحضاري وفي ضوء تصوّر الإسلام لحركة الإنسان وحركة المجتمع.
من هنا نحاول في هذا الفصل من ـ النظرية المهدوية في فلسفة التاريخ ـ سدّ هذه الثغرة في نسق ثقافتنا المهدوية سائلين المولى وعجل أن يُثَبِّتَنا على دينه وأن يُليِّن قلوبنا لولي أمره وأن يعافينا بما امتحن به خلقه ، ـ اللّهم وثبّتني على طاعة ولي أمرك الذي سترته عن خلقك ، وبإذنك غاب عن بريتك ، وأمرك ينتظر ، وأنت العالم غير المعلَّم بالوقت الذي
__________________
١ ـ محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥١ ، ص ١٦٠.