المهدي في تدرّجه في الاحتجاب فهو أقلّ اعتزالاً في الفترة الأولى من السفارة ولكن لم نبلغ عصر السفير الرابع حتّى لا يكاد ينقل عن الحجّة عجل الله تعالى فرجه أي مشاهدة.
ولم تنته هذه المرحلة ـ فترة السفارة ـ حتّى نشأ جيل جديد مستعدّ لتقبّل غيبة الإمام والتعامل مع القيادة بشكل غير مباشر ، ولا يرى بأساً في انقطاع السفارة واحتجاب الإمام عن قواعده.
لكن السؤال يطرح نفسه في مقام البحث : لماذا لم يتواصل أسلوب السفارة وبالتالي استمرار الغيبة الصغرى؟ لماذا انقطع هذا الأسلوب من الاتصال لتبدأ الغيبة الثانية؟
ويمكن إرجاع الجواب إلى العوامل التالية :
أوّلاً : حقّق الغرض من أسلوب السفارة ـ وهو كما رأينا ـ : تعويد الذهنية والنفسية العامّة على التعامل مع أسلوب جديد في الارتباط بالإمام : ألا وهو الارتباط بإمام مستور.
ثانياً : تشديد الحصار على المهدي عجل الله تعالى فرجه من قبل السلطات وتكثيف المراقبة عليه وعلى مواليه وعلى سفرائه أيضاً مما يهدّد وجود المهدي نفسه.
ثالثاً : إنّ استمرار أسلوب السفارة وامتداده أكثر يعني انكشاف أمر المهدي لعدم إمكان الجمع بين أسلوب السفارة إلى أجل غير محدود والسرّية كقاعدة في العمل.
بدأت الغيبة الكبرى سنة ٣٢٩ هـ حين أعلن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه في توقيعه الأخير نهاية السفارة ، وكان ذلك إيذاناً بغياب الإمام واستتاره ، وأنّه لن يظهر إلا بعد انتهاء أمد هذه الغيبة بعد أن يأذن له الله بذلك ، ويساوق هذا بدء حقبة هامّة في التاريخ الإسلامي ـ في مرحلة النبوّة الخاتمة ـ وهي تمهّد للمرحلة الأخيرة من مراحل التاريخ ، وهي مرحلة الظهور وقيام المجتمع الرشيد كما شرحنا ذلك في الفصل السابق.
وتمتاز الغيبة الكبرى عن الغيبة الأولى من عدّة جهات :
الأولى : النيابة في عصر الغيبة الصغرى كانت لأشخاص معيّنين بذواتهم ، وكانوا يمارسون دور النيابة في أسلوب السفارة ، أمّا في زمن الغيبة الكبرى فإنّ النيابة تكون لخطّ