في هذا البعد نحاول اكتشاف موقع الغيبة من حركة الدين عبر التاريخ ودورها في تحقيق الغرض النهائي للمسيرة البشرية وقيام حضارة الخلاص وظهور المجتمع الرشيد ، ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَ ئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) [ النور ].
( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) [ القصص ].
ولهذا البعد مدلولان أحدهما إيجابي والآخر سلبي :
ويتوقّف على التذكير بالأصول الفكرية التي حقّقناها سابقاً في النظرية الإسلامية للكون والتاريخ ، وهنا نؤكّد على النقاط التالية في إطار المفهوم الإسلامي :
أوّلاً : العوامل المؤثّرة في التاريخ وكما عالجناها في الفصل الثاني هي :
أ. الإرادة الإلهية.
ب. الطبيعة سواء من حيث قوانينها أم من خلال العلّة الغائية لها.
ج. الإرادة الإنسانية والأفعال الاختيارية له.
د. النظم الاجتماعية والسياسية.
هـ. سنن التاريخ.
ثانياً : إنّ العلّة الغائية للكون هي بلوغ أقصى درجات النمو والتكامل والعلّة الغائية من التاريخ ومن المسيرة الإنسانية هي الوصول بالإنسان وبالمجتمع الإنساني إلى المستوى العالي من الهداية والمتمثّلة بالمجتمع الرشيد.
وهذه العلّة الغائية للتاريخ ضرورة التحقّق ، فهي حاكمة على العوامل الأخرى بما هي ناشئة من إرادة الله ، كلّ ما في الأمر أنّها متوقّفة على إرادة الإنسان واختياره؛ لأنّ الله أراد أن يبلّغ البشر هذا المستوى العالي من الكمال بمحض إرادتهم دون جبر أو إلجاء.