فالغيبة الكبرى في ضوء هذا التحليل تغدو ضرورة حضارية لابدّ منها بما هي مقدّمة أساسية لتحقّق أعظم أهداف الحركة التاريخية.
يتمثّل المدلول السلبي للبعد الحضاري للغيبة في قصور كلّ النظم الاجتماعية الأخرى وكلّ الأطروحات الحضارية المناوئة ، والتي لا ترتكز على قاعدة التوحيد. فالغيبة الكبرى تثبت وبالدليل التاريخي الملموس أنّ النظم الوضعية لم تزد الإنسان إلا تعاسةً وبرماً ، ولم تفعل سوى أن ملأت الأرض فساداً وانحرافاً ، ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) [ الروم ].
وإنّ يأس الناس من كلّ الأنظمة الأخرى وانحصار أملهم في الإسلام كبديل وحلّ لتحقيق التوازن والسعادة مقدّمة ضرورية للظهور ، ونحن اليوم نعيش إرهاصاته ، حيث سقطت الشيوعية كمنظومة حكمت الشرق ، وأفلست في تحقيق أحلام الإنسان في الحرّيّة والعدالة والرفاه ، وفي نفس الوقت تشير الكثير من الدراسات الإستراتيجية إلى الأزمة المستفحلة في المنظومة الرأسمالية وحالة التفكّك التي تعيشها المجتمعات الغربية خاصّة المجتمع الأمريكي الذي ينبئ باخترام وحدته وسقوط المشروع الرأسمالي وتداعي هيمنته على العالم.
كلّ هذا يعزّز إيمان الناس بحتمية البديل الإسلامي خاصّة في ضوء تصاعد دور الجمهورية الإسلامية المباركة كقاعدة للدولة الأمل ونموذج للطرح الإسلامي المتكامل الصامد في وجه كلّ المؤامرات والتحدّيات ، مما يشدّ إليها أنظار المفكّرين والسياسيين وعموم المستضعفين؛ لأنّها نموذج فريد يتميّز عن كلّ الأنظمة السياسية الأخرى السائدة في العالم ، وهذا من أهمّ العوامل المساعدة لنشر فكرة ـ دولة المهدي ـ.
ورد في الحديث ـ ما يكون هذا الأمر حتّى لا يبقى صنف من الناس إلا وقد ولّوا حتّى لا يقول قائل إنّا لو ولّينا لعدلنا ، ثمّ يقوم القائم بالحقّ والعدل ـ (١).
__________________
١ ـ محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ٢٤٤.