تارة نتحدّث عن هذا البعد بلحاظ تاريخ الأنبياء العام ، ومرّة أخرى نتحدّث عنه بلحاظ تاريخ الإمام الخاص.
اللحاظ الأوّل : مارس خطّ الشهادة المتمثّل في الأنبياء والأوصياء في تاريخه الطويل مارس أساليب متنوّعة في حركته الرسالية ، من هذه الطرق التي اعتمدها الشهداء الربّانيون : ـ الغيبة ـ ، حين كانوا يلجؤون إلى الاستتار في ظروف خاصّة واستثنائية. فالغيبة سنّة من سنن الأنبياء والأوصياء لم يشذّ عنها المهدي عجل الله تعالى فرجه ، عن أبي عبد الله عليهالسلام : ـ إنّ للقائم منّا غيبة يطول أمدها ، فقيل له : لم ذاك يا ابن رسول الله؟ قال : إنّ الله أبى إلا أن يجري فيه سنن الأنبياء في غيباتهم وأن لابدّ له يا سدير من استيفاء مدّة غيباتهم ، قال الله عزّ وجلّ : ( لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ ) [ الانشقاق ] ، أي سنناً على سنن من كان قبلكم ـ (١).
وعن علي بن الحسين عليهالسلام قال : ـ في القائم منَّا سنن من سنن الأنبياء عليهمالسلام : سُنَّة من آدم ، وسُنّة من نوح ، وسُنّة من إبراهيم ، وسُنّة من موسى ، وسُنّة من عيسى ، وسُنّة من أيّوب ، وسُنّة من محمّد صلىاللهعليهوآله ، وأما من آدم عليهالسلام فطول العمر ، وأما من إبراهيم عليهالسلام فخفاء الولادة واعتزال الناس ، وأما من موسى عليهالسلام فالخوف والغيبة ، وأما من عيسى عليهالسلام فاختلاف الناس فيه ، وأمّا من أيّوب عليهالسلام فالفرج بعد البلوى ، وأمّا من محمّد صلىاللهعليهوآله فالخروج بالسيف ـ (٢).
فالمهدي عجل الله تعالى فرجه يلتقي مع الأنبياء السابقين في العديد من السنن ، ولكن السنّة الرئيسية التي أكّدت عليها الأحاديث هي الغيبة ، ففي كتاب ـ كمال الدين وتمام النعمة ـ استقصى الشيخ الصدوق رحمهالله حياة كلّ الأنبياء ، وتحدّث مفصّلاً عن غيبة إدريس عليهالسلام ، وغيبة صالح ويوسف وموسى وعيسى ويوشع بن نون عليهمالسلام ... فليراجع (٣).
ولكن أغلب الروايات تركّز على المقارنة بين المهدي عجل الله تعالى فرجه والنبي موسى عليهالسلام في
__________________
١ ـ محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥١ ، ص ٢١٨.
٢ ـ المصدر نفسه ، ص ٢١٧.
٣ ـ أنظر : كمال الدين وتمام النعمة ، الشيخ الصدوق ، ص ١٢٧ ـ ١٤٧.