خطّ الوصاية طيلة قرنين ونصف من الزمان تقريباً ، وفي ظلّ هذه القيادة المعصومة كفيلة بأن يصل المجتمع الإسلامي مع الإمام الثاني عشر إلى المستوى الذي يخوّل له تأسيس المجتمع الرشيد المعصوم ، ولربّما انتهت فترة الإمامة والوصاية ليقود المجتمع الرشيد نفسه بنفسه كما تحدّثنا الروايات عن مجتمع ما بعد الإمام المهدي ، ولكن لما أريد للمسيرة التاريخية أن تكون خاضعة للإرادة والاختيار الإنساني لم يتحقّق هذا الأمر لسوء اختيار الناس ، وتعطّل المشروع ولكنّه لمْ يُلْغَ؛ لأنّه من المستحيل أن تصادر الإرادة الإلهية فهي الحاكمة في النهاية ، فالمجتمع البشري يملك أن يتمرّد وأن يرفض القيادة الإلهية ويعطّل بالتالي مسيرة التكامل ، ولكن يستحيل عليه أن يمنع المسيرة في النهاية من الوصول إلى غاياتها البعيدة ، قد يتأخّر الوصول ولكن القافلة لابدّ أن تبلغ مقصدها في النهاية.
في هذا السياق يتنزّل التدخّل الإلهي صوناً لأغراضه من الخلْق والتاريخ ، وحفاظاً على الهدف الكبير وذلك بحفظ الإمام الثاني عشر طوال هذه القرون وفق قانون المعجزة الذي يسري في كلّ ظرف مشابه لا يمكن خلاله أن يحفظ الحجّة بالأسباب الطبيعية فيتدخّل الغيب ليضمن ذلك بأسلوبه الخاص ـ فالغرض الالهي إذا تعلق بهدف من الأهداف فإنه لابدّ من وجود ذلك الهدف ولو استلزم بوجوده أو بوجود بعض مقدّماته خرق قوانين الطبيعة وإيجاد المعجزات ـ (١).
تستهدف مرحلة الغيبة عبر قانون الابتلاء والمحنة فرز الطليعة المجاهدة التي تشكّل قاعدة الأنصار للمهدي عجل الله تعالى فرجه فمهمّته عليهالسلام تحتاج إلى موالين يمتازون بمستوى رفيع من الإيمان والجهاد والفناء في سبيل الله ، وهذه الفئة لا يمكن أن تولد في أجواء الاسترخاء والدَّعَةِ؛ بل لابدّ أن تُمحّص بأقصى حالات الصراع والابتلاء ، حتّى يشتدّ عودها ويصلب قوامها ، ولا تتزعزع في الجبهات التي تقتضيها المواجهة في ظلّ قيادة المهدي عجل الله تعالى فرجه.
__________________
١ ـ محمّد صادق الصدر ، تاريخ الغيبة الكبرى ، ص ٢٣٦.