إنّ المستوى العالي من الكمال الذي يتحقّق للأنصار يعتبر خير ضمان خشية السقوط في خطرٍ لم تنج منه أكثر الثورات في العالم ، وهو تحوّل القائمين على الثورة بعد الانتصار ، والتمكين إلى فئة نفعية تخدم مصالحها وتتنكّر لدماء الشهداء وتضحيات الموالين. إنّ طول فترة التمحيص والتخطيط على المدى البعيد للتكامل الروحي يؤمّن للثورة المهدوية أنصاراً لن تتحرّك فيهم حسيكة النفاق فينقلبوا على أعقابهم بعد ما تشيد الثورة أركان نصرها وتبسط نفوذها على العالم ، خاصّة وأنّ دولة المهدي عجل الله تعالى فرجه عظيمة الثراء ، مليئة الرخاء ، يحثو فيها الإمام المال حثواً ، ولا يعدّه عدّاً ، ولا تترك السماء قطراً إلا أنزلته ، والأرض نبتاً إلا أنبتته ، فالإغراءات قويّة جدّاً ، ومن هنا تتعاظم الحاجة إلى أنصار بلغوا من العفّة والوعي والكمال ما لا يزعزعهم عن حبّهم وولائهم أي شيء.
لم نرجئ الحديث عن هذا البعد لضرورة منهجية ، وإنّما آثرت الحديث عنه في آخر المطاف؛ لأنّ المسألة تتّسم بنوع من الغموض اكتنفها نتيجة عدم تبحّرنا في قضية علاقة الغيب بعالم الشهادة ، وهذا البعد المعنوي للغيبة يؤكّد على حقيقة قد لا يقبلها البعض ولا يستطيع البعض الآخر استيعابها ، وهي : أنّ منصب الولاية يشكّل الصلة الموضوعية بين عالم الغيب وعالم الشهادة.
فغيبة الإمام وبقائه حياً يضمنان تحقّق هذه الصلة؛ لأنّ الإمام بوصفه حافظاً للشريعة لا يمكن أن تخلو الأرض منه ، فذلك يعني انقضاء الدين ونفاذ مهمّته ، وقد عبّر بوضوح عن هذا الأمر المستشرق الفرنسي هنري كوربان ، والذي حاوره السيد الطباطبائي صاحب الميزان رحمهالله حيث اعترف كوربان أنّ مذهب التشيع هو المذهب الوحيد الذي استطاع أن يحفظ علاقة الهداية الإلهية بين الحقّ والخلق دائماً وأحيا مفهوم الولاية بصورة مستمرّة ، وقال السيد الطباطبائي عن كوربان : ـ كان رجلاً سليم النفس ، يتّسم بالموضوعية والإنصاف ، وهو يعتقد بانتهاء مهمّة جميع أديان العالم ومذاهبها السماوية ، وتوقّفها عن التكامل باستثناء التشيّع الذي بقي متجدّداً حيّاً يقظاً بفعل رابطة الولاية والمهدي ـ.
__________________
* انظر مقدمة «رسالة التشيع في العالم المعاصر»، ترجمة : جواد علي كسار.