دائرة الفقه ، على الأقل كما تحتّمه طبيعة الإسلام كدين جماعي إنساني ، ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [ الأنبياء ].
العامل الثالث : التاريخ الشيعي وما حفل به من اضطهاد للشيعة وتشريد وتقتيل ، وما أفرزه هذا الواقع من أجواء نفسية ضاغطة على المؤمنين ، ساعد على الاستغراق في الذات الذي عزّزه مصادرة السلطات الحاكمة كلّ المحاولات الشيعية في بعث كيانهم الخاص ، وسعيها إلى قطع علاقة القواعد بأئمتهم وعلمائهم ممّا ساهم في إيجاد الأجواء المساعدة على التعامل مع قضية الغيبة والتكاليف زمانها بخلفية؛ فردية؛ لأنّ الاتجاه الفردي لا يمثّل خطراً كبيراً على المؤمن.
وهكذا وفي ضوء هذه التصوّرات تقلّصت دائرة مسؤولية المؤمنين ، واتسعت بذلك مسؤولية القائد المنتظر التي جَعَلَتْه المسؤول الأوّل والأخير عن تخليص الإنسانية ونشر الحقّ والعدل دون أن يكون للأتباع أي دور في ذلك على الأقلّ في فترة غيبته.
تحاكي التصوّرات السلبية للانتظار إلى حدّ كبير موقف بني إسرائيل من القتال مع نبيّهم حينما قالوا له : ( فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) [ المائدة ] ، إنّها تكرّس السلبية الكاملة تجاه الأهداف الإلهية وتفرغ الانتظار من كلّ معانيه الإيجابية وأبعاده الرسالية ، وتصطدم مع النصوص التي جعلت من الانتظار عنواناً لتاريخ مرحلة بأسرها ، وعبادة شاملة يتحرّك عبرها المؤمنون إلى مرضاة الله ، وعملاً دؤوباً من أجل القرب الإلهي؛ بل أفضل الأعمال :
ـ أفضل أعمال أمتي انتظار فرج الله عزّ وجلّ ـ (١).
ـ أفضل العبادة انتظار الفرج ـ (٢).
فالمفهوم الرسالي للانتظار : هو التوقّع الدائم والاستعداد الحثيث ، وعلى كلّ
__________________
١ ـ محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ٢٠١.
٢ ـ المصدر نفسه ، ص ٣١١.