الانتظار هو انتظار الأُمّة كلّها ، لا انتظار المؤمن الفرد حتّى لا نغفل عن الجوانب الاجتماعية الهامّة لهذه العبادة والرسالة ، ولا نلغي من حسابنا أنّ الغرض الإلهي يتعلّق أساساً بكمال المجتمع الإنساني ، والغيبة تستهدف استعداد الأُمّة كاملة أو على الأقلّ طليعة مجاهدة داخلها ، وليس استعداد الفرد فحسب.
والمؤمن لا يكون على مستوى الانتظار المطلوب إلا بتوافر عناصر ثلاثة مقترنة ، عقائدية ونفسية وسلوكية ، دونها لا يبقى للانتظار أي معنى إيماني صحيح (١). فالانتظار عبادة تمتزج فيها هذه العناصر الثلاثة : البعد العقائدي الفكري ، والبعد النفسي الوجداني ، والبعد السلوكي العملي.
الانتظار في بعده العقائدي يشكّل أساس وعي رسالي متميّز ، ينبثق عن رؤية تاريخية متكاملة تحدّد بوضوح الأهداف والقائد والمسيرة ، وتشخّص المهام المطروحة في هذه المرحلة التاريخية.
بشكل آخر يمكن القول : أنّ البعد العقائدي للانتظار يتمثّل أساساً في النقاط الثلاثة التالية :
النقطة الأولى : الانتظار عنوان مرحلتنا التاريخية ، فقد اتضح من الفصول السابقة المسار التفصيلي للتاريخ البشري ، وأنّ عصر الغيبة الكبرى هو حقبة من حقبات مرحلة النبوة الخاتمة تمهّد لمرحلة خامسة وأخيرة : مرحلة الظهور. واتضح لنا أنّ هذا الظهور والولوج في المرحلة الخامسة يتوقّف على شروط ينتظر استكمال بعضها أهمّها :
أ. وجود الطليعة.
ب. الظروف العالمية الملائمة.
فالانتظار هو عنوان المرحلة قصد إفراز هذه الطليعة التي تتمتّع بدرجة عالية من الإخلاص والفناء في الرسالة والقائد تجعلها مستعدّة للتضحية بكلّ وجودها في سبيل عقيدتها وإمامها. وقصد توافر الظروف الدولية الملائمة.
__________________
١ ـ محمّد صادق الصدر ، تاريخ الغيبة الكبرى ، ص ٣٤٢.