ولا يهدف محجمه دم ، فقال : كلاّ ، والذي نفسي بيده لو استقامت لأحد عفواً لاستقامت لرسول الله صلىاللهعليهوآله حتّى أدميت رباعيته وشجّ في وجهه ، كلاّ ، والذي نفسي بيده حتّى نمسح نحن وأنتم العرق والعلق ـ ١٦٤.
النقطة الثالثة من الأبعاد العقائدية الفكرية للانتظار : هي الوعي التفصيلي بالمستقبل : إنّ المستقبل هو المحرّك الحضاري للأمم والمجتمعات ، وبقدر ما يكون المستقبل شامخاً في وعي الجماهير بقدر ما يكون زخم الحركة نحوه قوياً فعّالاً ، فالذي لا يؤمن بالمستقبل مهدّد بالجمود التاريخي ، وبقدر ما تكون تفصيلات المستقبل واضحة وأبعاده بيّنة ، بقدر ما يكون المسار التاريخي رشيداً ثابتاً متصاعداً بلا انحراف ولا تردّد.
وفلسفة الانتظار تمنحنا هذا التصوّر التفصيلي للمستقبل الذي يحفزنا نحوه القرآن الكريم بقوله : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) [ القصص ] ، وقوله تعالى : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَ ئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) [ النور ].
وتصدّت الروايات لتفصيل هذا الغد الموعود في رفاهه الاقتصادي وعدله الاجتماعي ورقيه المعنوي ، وقد تعرّضنا لذلك في الفصل الرابع فراجع.
إنّ الانتظار الواعي يعني امتلاك هذا الاطلاع والفهم التفصيلي لأبعاد المستقبل الرغيد الذي يمثّل مدى المسيرة ومنتهاها.
وهذه الإحاطة بالمشروع الإلهي في خطوطه المستقبلية المشرقة يحفّز أكثر فأكثر همّة المؤمنين في تجاوز هذا الواقع العالمي المتردّي ، وعلى الثورة عليه ثورة شاملة تقتلع شجرة الشَرّ مِن جذورها.
يتجلّى الجانب الوجداني للانتظار في النقاط التالية :