العقائدية للانتظار يستطيع أن يمتلك حينئذ مسلكاً عملياً في الحياة عبر نهج خاص؛ لأنّ الذي عرف قيادته ، وعرف الهدف المرحلي للحقبة التاريخية التي يعيشها ، والقوانين التي تحكمها ، وأحاط بالمستقبل في صورته التفصيلية ، قادر على التخطيط لحياته وحركته في الواقع بشكل إيجابي متناغم مع قيم رسالته وأهداف قيادته ، والانتظار بهذا المعنى يصبح منهجاً سلوكياً حركياً في اتجاه تحقيق اليوم الموعود ، هذا المنهج يقوم على ركائز عديدة أهمّها :
الفرد الذي يطمح لحاكمية الرسالة التي يؤمن بها على مستوى العالم لابدّ أن يعيش هذا الطموح في مستوى ذاته كخطوة أولى ، وإلاّ فلا معنى للتبشير بمجتمع عادل ، ونحن لم نحقّق درجة من العدالة بمعناها الأخلاقي في نفوسنا ، والروايات التي جاءت في مقام الثناء والإطراء على أبناء زمن غيبته ومقام التنويه بمكانتهم إنّما وردت لتنبّه إلى ما يعيشه هؤلاء من الالتزام الفعلي والسلوكي بتعاليم الإسلام رغم كلّ الظروف والملابسات والتعقيدات التي تحيط بزمانهم ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه قال : ـ سيأتي قوم من بعدكم الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم ، قالوا : يا رسول الله نحن كنّا معك ببدر وأحد وحنين ونزل فينا القرآن! فقال : إنّكم لَوْ تحملوا بما حملوا لم تصبروا صبرهم ـ (١).
وعن أبي عبد الله عليهالسلام : ـ من سرَّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر ، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق ، وهو منتظر ، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه؛ فجدوا وانتظروا هنيئاً لكم أيّها العصابة المرحومة ـ (٢).
من مظاهر الارتباط السلوكي بالإمام ونحن ننتظرهُ الاقتداء به ، فهو الأسوة والنموذج المحتذى في صبره وثباته وآماله ومشروعه ومقاطعته للطغاة والجبابرة ، فالمؤمن يتعلّم منه الصبر؛ لأنّ الإمام هو الآخر يتحرّق شوقاً إلى قيام مجتمع العدل ، وهو يتألّم لحال الناس تحت نير الظلم والاستبداد ، ولكنّه مرابط ينتظر الإذن الإلهي بالظهور حينما تكتمل الشروط الموضوعية لذلك.
__________________
١ ـ محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ١٣٠.
٢ ـ النعماني ، الغيبة ، ص ١٣٤.