إنّ المؤمن وهو يرنو إلى المهدي من وراء حجب الغيبة يتحسّس طول غيابه وانحباسه عن شيعته وأنصاره يتعلّم أن يصبر ويصابر ويرابط ، ويتعلم أنّه مهما طال الزمن واستطال ليل المظالم والجور؛ فإنّ الفجر وشيك ، يقول تعالى : ( إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا ) [ المعارج ].
والمؤمنون يستلهمون من جهة ثانية ضرورة مقارعة الظالمين؛ لأنّهم يعتقدون أنّ الإمام غاب حتّى لا تكون في عنقه بيعة لظالم ، وهذا يعطي للأنصار شرعية تامّة للمقاومة؛ بل يعلّمهم أنّ الطريق الصحيح نحو الحجّة هو مجاهدة ومحاربة قوى الظلم والشرّ؛ لأنّ درب الحجّة عجل الله تعالى درب القطيعة الكاملة والمقاومة الشاملة لأولئك الطغاة الجبابرة ، فمن أراد أن يكون مع الحجّة عليه أن يوطن نفسه من الآن على هذا المنهج.
عن الإمام المهدي عجل الله تعالى : ـ إنّه لم يكن أحد من آبائي إلا وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي ـ (١).
هذه بعض معاني الاقتداء بالمهدي والاستلهام منه رغم حجب الغياب؛ لأنّ الغيبة لا تمنع المؤمنين والناس ألبتة من الانتفاع والارتباط السلوكي به.
عن جابر الجعفي عن جابر الأنصاري أنّه سأل النبي صلىاللهعليهوآله : ـ هل ينتفع الشيعة بالقائم في غيبته؟ فقال٩ : إي والذي بعثني بالنبوة إنّهم ينتفعون به ، ويستضيئون بنور ولايته كانتفاع الناس بالشمس وإنْ جلّلها السحاب ـ (٢) ، فكما أنّ السحاب عارض لا يمنع الناس الاستفادة من دفء الشمس ونورها ، ومهما تكثّفت السحب؛ فإنّ الشمس ظاهرة لا محالة كذلك الإمام فإنّ غيبته لا تمنع البتة الاقتداء به واستلهام معاني إيمانية جهادية توحي بالثبات والسير الحثيث على خطّ الله ورسوله وأوليائه حتّى تنكشف كلّ العوائق.
نصَّب الإمام المهديf في غيابه قيادة نائبة ترجع لها الأُمّة ـ فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه ، حافظاً لدينه ، مخالفاً على هواه ، مطيعاً لأمر مولاه ، فللعوام أن
__________________
١ ـ محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ٩٢.
٢ ـ محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ٩٢.