إنّ الغيبة هي المساحة الزمنية التي ستكشف بجلاء إفلاس وزيف كلّ النظريات الوضعية التي لم تزد الإنسان سوى اغتراباً عن ذاته وهويته ولم تزد الأرض سوى المآسي والعذابات. جاء في الحديث ـ ما يكون هذا الأمر حتّى لا يبقى صنف من الناس إلا [ قد ] ولّوا على الناس حتّى لا يقول قائل : إنّا لو ولّينا لعدلنا ، ثمّ يقوم القائم بالحقّ والعدل ـ (١).
إنّ هذا الإحساس بحتمية سقوط كلّ النظريات يجعل المؤمنين وهم على طريق الانتظار يحافظون على روحية عالية تجاه كلّ الانتصارات الموضعية التي قد يحقّقها الظلم والطغيان أو المنظومات الأخرى في بعض المواقع ولا يزيدهم ذلك إلا ثقة بضرورة انتصار الإسلام وسيادته على العالم في نهاية المطاف.
قد يبدو الحديث عن الانتظار الكوني غريباً ، ولكن عندما نعمّق النظر في التصوّر الإسلامي للكون وعلاقة التكامل الكوني مع التكامل الاجتماعي للإنسان ينجلي الغموض.
قد عرفنا أنّ التصوّر الإسلامي لحركة الوجود ( بما فيها حركة المجتمع ) يقوم على أربعة عوامل أساسية :
أوّلاً : الإرادة الإلهية.
ثانياً : القوانين الطبيعية العامة.
ثالثاً : العلّة الغائية للكون.
رابعاً : الأفعال الاختيارية والواعية للمجتمع الإنساني.
وحركة الطبيعة أو الكون بالمعنى الأخصّ لا تنفصل عن حركة التاريخ والمجتمع من حيث إنّها مفردة من مفردات التخطيط الإلهي للوجود الذي يستهدف الوصول بالمجتمع الإنساني إلى أعلى درجات كماله ، وكذلك بالكون والطبيعة إلى ذروة كمالها وعطائها.
__________________
١ ـ محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ٢٤٤.