من هنا طرحت فلسفة التاريخ من منظور إسلامي جملة من السنن التاريخية تربط الرخاء الاقتصادي وعطاء الطبيعة بدرجة الكمال الاجتماعي والنظام الاجتماعي السائد ( وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ) [ الجن ].
فحركة الكون والطبيعة ـ وكما رأينا في الفصول السابقة ـ ليست حركة محايدة ، وإنّما هي حركة منفعلة بطبيعة النظام الاجتماعي السائد. مما يجعل حركة التكامل الإنساني عبر التاريخ متصلة اتصالاً وثيقاً بالإطار الطبيعي لهذه الحركة ، فالطبيعة هي الفضاء المكاني لحركة الإنسان وتاريخه ، ولكنّه فضاء من نوع خاص ، فهو فضاء متحرّك متطوّر مُنفعِل ، يتفاعل مع طبيعة الأحداث التي تجري فوقه ، ومن جهة أخرى إنّ الكون بما هو مفردة من مفردات الخلق محكوم بقانون الهداية العامة ، أي التكامل ، وسيبلغ منتهى كماله بحيث تتفتّق كلّ إمكاناته المدّخرة والمخزونة مع قيام المجتمع المعصوم.
وإنّ هذا التزامن بين وصول المجتمع الإنساني إلى أرقى درجات كماله بقيام دولة المهدي علي السلام وبلوغ تكامل الطبيعة أرقى درجات عطائها وخيراتها لهو صورة رائعة لعظمة التخطيط الإلهي كما ذكرنا في الفصل الرابع ( الأصل الخامس ).
والانتظار الكوني في ضوء هذا البيان هو حركته التي تستهدف بلوغ أوج تكامله ، ولن يكون ذلك إلا مع المهدي عليهالسلام ، فالطبيعة معنا تنتظر المهدي عجل الله تعالى لتبلغ مستقرّها ومداها في التكامل.
ومع بلوغ الكون تلك الدرجة العالية من الكمال من جهة ، والمجتمع الإنساني تلك المرحلة المتقدّمة من العدل تكون الظروف مهيّأة لمرحلة ما بعد الدنيا ، أي للقيامة من خلال الانقلاب الكوني الشامل الذي يحوّلنا إلى دار الآخرة.
هذه هي فلسفة الانتظار في مستوياتها الثلاثة
فالانتظار بأبعاده النفسية والفكرية والسلوكية بهذا العمق الوجداني والعقلي
__________________
* راجع النموذج السادس من نماذج سنن التاريخ في الفصل الثالث.