منطقياً لابدَّ من إثبات إمكان تعجيل الفرج أوّلاً قبل الشروع في البحث حول التفاصيل؛ لأنّه إذا تبيّن أن التعجيل متعذّر عقلاً أو أنّه محظور شرعاً فلا معنى للحديث عن العوامل المؤثّرة؛ بل تكون القضية حينئذ سالبة بانتفاء الموضوع كما يقول المناطقة.
والذي يدعونا للتساؤل حول الإمكان والاستحالة العقلية والمرغوبية أو الكراهة الشرعية من جهة ثانية ، ما يواجهنا من مفاهيم أخرى في إطار الثقافة المهدوية التي تبدو للوهلة الأولى منافية لمبدأ التعجيل الذي نريد تأصيله ، وفي هذا الاتجاه تعترضنا ثلاثة مفاهيم أساسية :
|
ـ التخطيط الإلهي. ـ الانتظار. ـ النهي عن الاستعجال. |
اتضح أنّنا نسلم بفكرة التخطيط الإلهي بمعنى أنّ الله يصون الغايات الكبرى للوجود البشري من خلال تخطيط تتحرّك وفقه المسيرة الإنسانية نحو المستقبل السعيد مع الحفاظ على الاختيار الإنساني؛ لأنّ الله لم يفوّض للناس أمورهم جميعاً ، كما لم يجبرهم على مسار تام في الحياة ـ فلا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين ـ كما ثبت في العقائد.
والتدخّل الإلهي يتّخذ عدّة أشكال تنسجم مع الحركة الإنسانية التكاملية الإرادية ، وهذا ما عالجناه في الفصل الثالث.
والسؤال الذي نطرحه بعد هذا التعريف الموجز للتخطيط الإلهي : كيف نوفّق بين مقولة التخطيط المسبق ومبدأ التعجيل؟ وإذا كان ظهور المهدي عجل الله تعالى فرجه يمثّل مرحلة من هذا التخطيط تعقب مرحلتنا المعاصرة ( الغيبة الكبرى ) فلا موضوع للتعجيل؟
والجواب : أنّ المستشكل فاته المعنى الدقيق للتخطيط ، إذ تصوّر أنّ المقصود تخطيط جاهز من جميع الوجوه ، ناجز من جميع الجهات ، وليس البشر سوى أدوات للتنفيذ ، ولكن الأمر ليس كذلك ـ وكما سبق الإشارة إليه ـ فالتخطيط يفسح مجالاً واسعاً لحرّية الإنسان وقدرته