هذا الفهم السلبي للانتظار ناقشناه سابقاً في الفصل السادس ، وأكّدنا هناك أنّ الانتظار في معناه الواقعي ـ وكما لقّنه الأئمة لأصحابهم ـ منهج حياتي وحركي متكامل يستند إلى خلفية عقائدية وفكرية يعمل صاحبها على تهيئة الساحة للقائد ، فالانتظار ليس استقالة الفرد والأُمّة عن مهامهما ، وإنّما هو تكريس لهذه الأدوار نتيجة غياب القائد ، وتفعيل للفرد والأُمّة والرسالة قصد استقدام الإمام الغائب في أقرب الآجال ، وهذا مفاد تعجيل الفرج ، والروايات لا تخلو من الإشارة إلى ذلك :
عن أبي عبد الله عليهالسلام ـ إنّ لنا دولة يجيء بها الله إذا شاء. ثمّ قال من سَرّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر ، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق ، وهو منتظر ، فإن مات والقائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه ، فجدّوا وانتظروا أيتها العصابة المرحومة ـ (١) ، وحديث رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ بالصبر يتوقّع الفرج ، ومن يدمن قرع الباب يلج ـ (٢) ، فليس الانتظار إذن سوى حركة واعية على خطّ تعجيل الأمر وتحقيق شرائط الظهور.
الإشكال الثالث الذي يرد على مفهوم التعجيل هو الزخم الروائي الناهي عن الاستعجال والداعي للصبر ، ولقد عنون النعماني أحد أبواب كتابه الغيبة ـ باب ما أمر به الشيعة من الصبر والكفّ والانتظار للفرج وترك الاستعجال ـ وأورد روايات عديدة منها :
عن عبد الرحمن بن كثير قال : ـ كنت عند أبي عبد الله عليهالسلام يوماً ، وعنده مهزم الأسدي ، فقال جعلني فداك متى هذا الأمر الذي تنتظروه؟ فقال : طال علينا ، فقال : يا مهزم كذب المتمنّون ، وهلك المستعجلون ، ونجا المسلّمون ، وإلينا يصيرون ـ (٣).
عن أبي عبد الله عليهالسلام ـ هلكت المحاضير ، قال الراوي : وما المحاضير؟ قال المستعجلون ، ونجا المقرّبون ـ (٤) ، وعن أبي عبد الله عليهالسلام في تفسير قوله تعالى : ( أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ) [ النحل ] ، قال : ـ هو ما أمرنا الله عزّ وجلّ أن لا نستعجل به حتّى يؤيّده الله بثلاثة أجناد الملائكة والمؤمنين والرعب ، وخروجه عليهالسلام كخروج رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ ١٩٩.
__________________
١ ـ النعماني ، الغيبة ، ص ٢٠٠.
٢ ـ محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٦٨ ، ص ٩٦.
٣ ـ النعماني ، الغيبة ، ص ١٩٨.
٤ ـ م س ، ص ١٩٧.