وهكذا نعبّر تعبيراً صحيحاً عن علاقتنا بالرسالة زمن الغيبة. وهذا نقيض ما فهمه البعض من التخلّي عن المسؤوليات والتحلّل من أعباء الرسالة والدين ، سئل أبو عبد الله عليهالسلام : ـ يكون فترة لا يعرف المسلمون فيها إمامهم؟ فقال : يقال ذلك. قلت كيف نصنع؟ قال إذا كان ذلك فتمسّكوا بالأمر الأوّل حتّى يتبيّن لكم الآخر ـ (١).
وعن أبي عبد الله عليهالسلام ـ إذا أصبحت وأمسيت يوماً لا ترى فيه إماماً من آل محمّد فأحبب من كنت تحبّ ، وأبغض من تبغض ، ووالِ من كنت توالي ، وانتظر الفرج صباحاً ومساء ـ (٢).
عرفنا في الفقرة السابقة أنّ التمسّك بالإسلام والتقيّد بأحكامه من أهمّ الأدوار التاريخية التي يؤدّيها الفرد على طريق التمهيد والتوطئة للمهدي والتعجيل بالظهور ولكن يبقى سؤال محيّر : ما هو الإطار القيادي لهذه الحركة؟ من هو القائد الذي يرتبط به الفرد زمن الغيبة؟ ما هي المرجعية الفكرية والاجتماعية التي ينتمي لها؟
رَسَمَ الإمام الحجّة للمؤمنين الخطّ العام لهذه القيادة النائبة التي لابدّ للفرد أن يعتصم بها في غيبته : جاء في التوقيع المنسوب للحجّة عجل الله تعالى فرجه : ـ أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا؛ فإنّهم حجّتي عليكم ، وأنا حجّة الله ـ (٣) ، وعنه أيضاً : ـ فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه ، حافظاً لدينه ، مخالفاً على هواه ، مطيعاً لأمر مولاه ، فللعوام أن يقلّدوه ـ (٤).
فالمهدي عجل الله تعالى فرجه ومن قبله سائر الأئمة عليهمالسلام لمّا كانوا عارفين بالغيبة والفراغ التي ستحدثه عيّنوا لشيعتهم خطّاً قيادياً عامّاً ، ومسؤولية المؤمنين الالتزام بهذه القيادة ، والنصيحة لها ، والانضواء تحت لوائها ، وإلا كيف ندّعي انتظار الإمام ونزعم التمهيد له ،
__________________
١ ـ النعمامي ، الغيبة ، ص ١٥٨.
٢ ـ المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ١٣٣.
٣ ـ محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥٣ ، ص ١٨١.
٤ ـ المصدر نفسه ، ج ٢ ، ص ٨٨.