قريبا : ( إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا ) [ المعارج ] ، لعمق ارتباطه العاطفي بالإمام وانشداده للمخلّص ، وهو يعلم أن عنوان الجدارة لهذا الانتماء هو الإخلاص الكامل لله ولوليّه ، لذا فتكليفه أن ينقّي قلبه من كلّ الارتباطات الأرضية المادّية ويتوجّه بكلّ وجوده لربّه وإمامه ورسالته ، وهذه الدرجة العالية من الإخلاص لا تنمو في أجواء الاسترخاء؛ بل تتعمّق في ساحات الصراع ومواقع الابتلاء : عن الصادق عليهالسلام : ـ لابدّ للناس من أن يمحصّوا ويميّزوا ويغربلوا وسيخرج من الغربال خلق كثير ـ (١) ، ولن تكون الأجواء الضاغطة نتيجة عوامل خارجية فحسب ـ تشكيك عقائدي ، استبداد سياسي ، ظلم اجتماعي تمييز ديني ومذهبي وعرقي ، اضطهاد ، قمع ، تجويع ، تهجير ، تمييع وتسطيح الوعي ... ـ بل سيكون الامتحان أشدّ حينما تنشأ الفتن من الداخل لتعصف بوحدة المؤمنين أيضاً في هذه المرحلة ، عن الحسين بن علي عليهالسلام ـ : لا يكون الأمر الذي تنتظرونه حتّى يبرأ بعضكم من بعض ، ويتفل بعضكم في وجوه بعض ، ويشهد بعضكم على بعض بالكفر ، ويلعن بعضكم بعضاً ، فقيل له : ما في ذلك الزمان من خير ، فقال الحسين عليهالسلام : الخير كلّه في ذلك ـ (٢).
إنّها فتن كقطع الليل المظلم تقبل من كلّ جانب ، ولن يصمد إلا القليل القليل ، عن الرضا عليهالسلام : ـ والله لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتّى تمحّصوا وتميّزوا ، وحتّى لا يبقى منكم إلا الأندر فالأندر ـ (٣).
تقوم النظرية الاجتماعية الإسلامية على أصالة الفرد وأصالة المجتمع معاً فهي تفسّر الظواهر الاجتماعية والأحداث التاريخية التي تعيشها المجتمعات لا على أساس فردي صرف ولا على أساس اجتماعي خالص؛ بل هي تسند دوراً للفرد كما تسند جزءاً من المسؤولية إلى المجتمع والأُمّة ، فكلّ طرف له يد في صنع الأحداث ونسج التحوّلات ، وقد
__________________
١ ـ النعماني ، الغيبة ، ص ٢٠٤.
٢ ـ المصدر نفسه ، ص ٢٠٨.
٣ ـ المصدر نفسه ، ص ٣٠٤.