وفي غيبة النعماني : دخل جماعة من الخوارج على الإمام علي عليهالسلام فقال لهما : ـ ما حملكما على أن خرجتما عليّ بحروراء؟ قالا : أحببنا أن نكون من جيش الغضب. قال : ويحكما وهل في ولايتي غضب أو يكون الغضب حتّى يكون من البلاء كذا وكذا؟! ثمّ يجتمعون كقزع الخريف من القبائل ، ما بين الواحد والاثنين والثلاثة والأربعة والخمسة والستة والسبعة والثمانية والتسعة والعشرة ـ (١).
من أوكد المهام الموكولة على عاتق الأُمّة أن تنشر فكرة المخلِّص وتعرف بمشروع المهدي لإنقاذ العالم وقيادته نحو حياة جديدة توفّر السعادة والرفاه للجميع ، فهذا الرواج شرط من شروط نجاح المهدي وجيشه ، وتعاطف الناس معه ورسالته. ويمكن الاستفادة في هذا المجال من الميل الفطري للناس المغروس في وجدانهم نحو المخلًص ونحو اليوم الموعود حيث لم يخل دين من الأديان أو ثقافة من ثقافات الشعوب من فكرة المنقذ ، ولكن ما يفتقده الفكر الإنساني كما رأينا في الفصل الثاني هو التشخيص الواقعي ، ولذا اضطربت الأديان والمذاهب في تعيين هوية المهدي ، وأدخلوا الناس في حيرة وأثاروا غباراً من التشكيك حول القضية ، ومن الصعوبة بمكان أن ينجح مشروعاً حضارياً عالمياً بمستوى دولة المهدي دون أن يكون له قاعدة عقائدية فكرية.
إنّ الأساس الثقافي لهذا المشروع هو الترويج لهذه الفكرة ، أهدافها ، منافعها للناس والعالم ، وضرورتها لكمال الإنسان وسلامة الكون ، فالتلويح بهذه المقوّمات الأساسية لهذه الفكرة في أسلوب هادف عصري مؤثّر من شأنه أن يكسب للمشروع أنصاراً من أنحاء المعمورة كافّة ، وبالتالي يُوجِد الأرضية المناسبة للالتفاف العالمي حول القائم حين ظهوره. ولابدّ أيضاً من دفع كلّ الشبهات التي تثار حول قضية المهدي سواءً على أساس عقلي أم نقلي ، فهذه الشبهات المتعدّدة تجد لها في الإعلام المعادي كلّ سبل الدعم والترويج خاصّة في ظلّ ثقافة العولمة التي يريد النظام الرأسمالي تعميمها ، والتي تستغرق في الحسّيات والحاجات
__________________
١ ـ النعماني ، الغيبة ، ص ٢١٢.