وعنه أيضاً : ـ كأنّي بشيعة علي في أيديهم المثاني يعلّمون الناس المستأنف ـ ٢٥٧.
فمهمّة الفكر الإسلامي زمن غيبة الإمام أن يرتفع بمستوى وعي الأُمّة في مجال الرؤية الكونية ، ويعمّق الفهم العام للتشريع الإسلامي والفقهي ، ويمكن الاستفادة من الانفجار المعلوماتي ووسائل الاتصال الحديثة من أجل تلاقح الأفكار والاطّلاع على التيارات والفلسفات المعاصرة ، وما وصلت إليه البحوث الجديدة في مجال العلوم الإنسانية ، فينمو الحسّ النقدي وتُعزّز فرص النجاح في إخراج الفكر والاجتهاد الفقهي من الأطر المحدودة التي تأسره كمقدّمة مهمّة لظهور الأمر الجديد والمستأنف.
كما يحتاج الجيل المهدوي إلى ثقافة إسلامية معمّقة ، ـ إنّ الله تعالى علم أنّه يكون في آخر الزمان أقوام متعمّقون فأنزل الله تعالى : ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) والآيات من سورة الحديد إلى قوله ( وهو عليم بذات الصدور ) ـ (١) ، هو بحاجة إلى تجارب حركية وقيادية وجهادية وسياسية تؤهّله لأداء دور إيجابي في توجيه العالم وهداية البشرية ، فالكفاءات العالية لأنصار المهدي وجنوده والنجاعة الإدارية لهذه الدولة الفتية التي تتحدّث عنها الروايات ليست إلا نتيجة تراكمات تاريخية وتكامل طويل زمن الغيبة ، وبلوغ الوعي السياسي والحسّ الجهادي والخبرات القيادية لأبناء الأُمّة مستوى عال مؤشّر قوي وخطوة نحو إنجاح مشروع الدولة العالمية.
وفي واقعنا المعاصر تتراءى لنا تجربة الجمهورية الإسلامية في إيران والمقاومة الإسلامية في لبنان وسائر الحركات الجهادية والسياسية والمؤسّسات الثقافية والاجتماعية الفاعلة مفردات مهمّة على هذا السبيل ، فالتجارب الميدانية الحيّة وخاصّة على مستوى الدولة هي الكفيلة بتكوين الكوادر العالية ذات الخبرة القيادية والفهم الصحيح للسياسة الدولية والقوى المتحكّمة فيه ، وطرق التعامل مع هذه المؤثّرات والعوامل. ومن جهة أخرى واستناداً إلى جدلية النظرية والممارسة فإنّ هذه الممارسة تؤهّل الفكر الإسلامي إلى مراق نظرية أعلى وأكثر رشداً.
__________________
١ ـ محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٣ ، ص ٢٦٤.