ولاشكّ أنّ المؤرّخين العرب والمسلمين قد تأثّروا بالثقافة القرآنية في هذا المجال والتي ساعدتهم على تطوير الدراسات التاريخية من أفق النقل إلى أفق التحليل والنقد ، إلى أفق القواعد والقوانين والغايات.
فالقرآن الكريم يحتوي الكثير من الآيات التي تتحدّث عن غايات المسيرة الإنسانية ومنتهاها ، كما يعجّ بالآيات حول سنن التاريخ وقوانينه ، وهما من أهمّ قضايا فلسفة التاريخ ومسائله. ( سيكتشف القارئ ذلك تباعاً ).
نلاحظ أنّ المادّة القرآنية التي تصدّت للمسألة التاريخية قد اتسعت لكلّ هذه المستويات من البحث التاريخي : نقل وعرض الوقائع ، نقد وتعليل ، قوانين وتقعيد.
ونذكر لكلّ قسم من هذه الأقسام نماذج قرآنية :
من ذلك القصص القرآني ، سواء قصص الأنبياء عليهمالسلام وأخبار الماضين.
ولاشكّ أنّ القرآن لا يستهدف فقط تدوين تاريخ الأنبياء وتسجيل أخبار الماضين أو الوقائع السالفة ، وإنّما هدفه ـ بما هو كتاب هداية ـ قيادة الناس إلى سبيل الحقّ والسعادة ، وما هذه القصص سوى إحدى الأدوات الناجعة لتعليم الناس وهدايتهم :
( وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَ ذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ) [ هود ].
ويقول أيضاً : ( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَ ذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ) [ يوسف ].
ويقول تعالى : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) [ إبراهيم ].
فهذه الوقائع المهمّة والأحداث البارزة في تاريخ الأمم تمثّل محطّات لابدّ للمجتمعات أن تقف عندها ، وتتذكّرها لتتّعظ منها وتستقي الدروس من أجل توجيه المسيرة نحو الهدف الصحيح.