( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) [ البقرة ].
النموذج الثاني لهذا الوعي الزائف : تصوّرات الجماهير عن ثورة الإمام الحسين عليهالسلام الموغلة في المأساوية والاستغراق في الماضي ، بعيداً عن مركزية هذه الثورة في التاريخ الإنساني وعلاقتها بالمستقبل البشري : ـ أين الطالب بدم المقتول بكربلاء ـ (١).
ولذلك غابت روح المسؤولية تجاه الثورة الحسينية ، وبالتالي تجاه التاريخ ، وحضرت روح برغماتية نفعية : البكاء للفوز بالجنّة وشفاعة الحسين عليهالسلام ، فَعِوضَ أن يكون المؤمن ناصراً للحسين باليد والكلمة ، يريد من الحسين أن يقضي حوائجه ، وعِوضَ أن يعطي للثورة الحسينية يريد أن يأخذ منها.
هذه الروحية تنبع من وعي تاريخي مزيف بالثورة ، ولابدّ من تخطّيه ، ولن يتحقّق ذلك إلا ببناء وعي تاريخي جديد ، يجمع في فهم الثورة الحسينية بين العقل والعاطفة ، بين الفعل والانفعال ، ويربط بين الماضي والحاضر ، فلا يستغرق في التاريخ ويغفل عن طواغيت العصر ، يمزج بين عطاء الإمام وفيوضاته ، وتكاليف الفرد ومسؤولياته ، ويقرن بين ثورة الحسين عليهالسلام وثورة القائم عجل الله تعالى فرجه العالمية!
يرى البعض أنّ فلسفة التاريخ ـ موضة بالية ـ سادت في فترة معينة القرن١٧و ١٨ من القرون الميلادية ، وتجاوزها تطوّر الفكر الإنساني إلى ما يمكن تسميته بالمستقبليات والدراسات الاستشرافية.
ولكن بعض الطروحات الغربية التي برزت في السنوات الأخيرة ، وعُقدت لها مؤتمرات ، وتداولتها الدوريات والكتب والمؤلّفات ، تُبيّن أنّنا بحاجة إلى بلورة رؤية في فلسفة التاريخ.
وأنّ بروز علم المستقبليات لا يلغي أبداً بحوث فلسفة التاريخ وقيمها المعرفية والحضارية.
__________________
١ ـ عباس القمي ، مفاتيح الجنان ، دعاء الندبة ، ص ٦١١.