الفصل الثاني
عقيدة المخلّص في التراث الإنساني
تتحكّم جدلية ـ الوحدة والتنوّع ـ في التاريخ الإنساني ، فالتنوّع الديني والمذهبي والاختلاف العرقي ، والتعدّد اللساني ، لا يلغي ألبتة نقاطاً مشتركة كثيرة بين البشر :
فلقد كانت المجتمعات الإنسانية بمختلف تمثّلاتها ، وعلى مدى التاريخ ، ترنو إلى إلهٍ خالق ، ولذلك لم تخل حضارة من الحضارات من معبد ، قد تخلو من مسرح أو ملعب ، ولكنّها لا تخلو ألبتة من مكان لتقديس الإله وعبادته.
وعَبرَ التاريخ كان الإنسان يناصر العدل ويبغض الظلم والظالمين ، ويقاومه إمّا بطريقة سلبية ، وإمّا من خلال الرفض والممانعة الإيجابية ، وفي كلّ الحضارات تقريباً نجد نزوعاً إنسانياً فطرياً وميلاً إلى الجمال ، ترجمه بأساليب شتّى ، وبما خلَّفته هذه الأمم من تراث فنّي وجمالي.
ومن مظاهر الوحدة بين هذه المجتمعات الإيمان بالمخلّص ، فباستقراء التاريخ الديني والثقافي للإنسانية نجد أنّ مفهوم المخلّص ومبدأ الخلاص قاسم مشترك بين أكثر الحضارات ، وإن كانت تختلف فيما بينها في حدود هذا المفهوم وعمقه وتفاصيله ومشخّصاته.
إنّنا نجد الفكرة ماثلة في أكثر روافد التراث الإنساني ( الدين ، الفلسفة ، السياسة ).
لا تخلو ديانة من الديانات تقريباً من فكرة ـ المخلّص ـ ، وتتراوح هذه المقولة بين كونها مبدأ متجسداً في رمز يستقطب طموح الناس وأحلامهم في الانعتاق والسعادة ،