ولابدّ أن نشير إلى أنّ أفلاطون كان يعتقد بإمكان تحقّق هذه الدولة ، لكن رحلاته إلى صقلية جعلته يرجع فاتر الأمل ـ ومن هنا عدل من شروطه في السياسة حتّى يجعل الدين هو الأساس في كلّ مؤسّسات الدولة ـ (١) ، وعلى الرغم من ذلك تبقى محاولة الجمهورية مصدراً فلسفياً هاماً.
هو أبو النصر محمّد بن محمّد طرخان المعروف بالفارابي ، نسبة إلى فاراب من بلاد الترك ، ولد سنة / ٢٥٧ هـ / ٨٧٠ م وتوفّي سنة / ٣٢٩ هـ / ٩٥٠ م ، اشتهر بالمعلّم الثاني؛ لأنّه أوّل من شرح منطق أرسطو في العالم الإسلامي ، والمدينة الفاضلة تسمية أطلقها الفارابي على المثل الأعلى للحكم ، ويريد بها المدينة التي تحقّق السعادة القصوى في الدارين لأبنائها ، ويعتقد أنّ ـ المدينة الفاضلة تشبه البدن التام الصحيح الذي يتعاون أعضاؤه كلّها على تتميم حياة الحيوان وعلى حفظها عليه ـ ، وهذه السعادة القصوى التي تمثّل هذه المدينة لا تتحقّق إلا بالعلم والعمل ، ويقول عن صفات رئيس المدينة الفاضلة : ـ إنّ رئيس المدينة الفاضلة ليس يمكن أن يكون أي إنسان اتفق؛ لأنّ الرئاسة إنّما تكون بشيئين : أحدهما أن يكون بالفطرة والطبع معداً لها والثاني بالهيئة والمَلَكة الإرادية ـ.
ولرئيس المدينة خصال ـ أن يكون تام الأعضاء ، جيّد الفهم والتصوّر ، جيّد الحفظ والفطنة ، حسن العبارة ، محبّاً للقيم ، غير شره في المأكول والمشروب ، متجنّباً للّعب ، مبغضاً للذات ، محبّاً للصدق وأهله ، مبغضاً للكذب وأهله ، كبير النفس ، محبّاً للكرامة ، محبّاً للعدل ، مبغضاً للجور والظلم وأهلهما ، سلس القيادة إذا دُعي إلى العدل ، قوي القريحة ، صبوراً لا يخاف ـ.
ويعدّد الفارابي مدناً أخرى تضادّ المدينة الفاضلة ، وهي المدينة الجاهلة ، والمدينة الفاسقة المتبدّلة ، والمدينة الضّالة.
__________________
١ ـ عبد الرحمن بدوي ، موسوعة الفلسفة ج ٢ ، ص ١١٣ ـ ١١٤.