الفصل الثالث
فلسفة التاريخ في المنظور الإسلامي العام
لا توجد مدرسة فريدة في تفسير التاريخ ولا نظرية وحيدة في استنطاق الأحداث وتحقيب مراحل الحضارات ، فمنذ وقت مبكّر حاول الإنسان فهم الماضي والكشف عن ألغازه وغوامضه ، واستشراف المستقبل ومعرفة تفاصيله. فطفت إلى الساحة نظريات عديدة ، يستند بعضها إلى تفسير لاهوتي يمنح الآلهة الدور المطلق في صناعة التاريخ ، وبعضها الآخر ينحو منحى بشرياً فيعطي للبطل المسؤولية الأكبر في التأثير ، وآمن البعض الآخر بمرحلة تسود فيها الجماهير وتقوم بالأدوار الأولى في نحت معالم المصير الإنساني.
واختلفت النظريات الوضعية فيما بينها فركّز بعضها على العامل الجغرافي ، واستغرق بعضها الآخر على جنبة القيادة والزعامة ، واعتبر آخر الكبت الجنسي صانع الحضارات ، واتجاه رابع استند إلى العامل الاقتصادي وتطوّر وسائل الإنتاج في التحوّلات التاريخية.
والنظرية الإسلامية في هذا المجال وإن تجلّت في صيغ واجتهادات مختلفة إلا أنّها تلتقي حول جملة من الخصائص العامة التي تميّزها عن غيرها.
فهي تستند إلى رؤية كونية توحيدية ، ومعطيات قرآنية وَحْيَانِيّة عن تاريخ الحضارة الإنسانية وبدايات المسيرة الإنسانية ومستقبل الإنسان ، ما يمنح هذه النظرية حيوية وتألّقاً تفتقده العديد من النظريات الوضعية وأهمّ هذه الخصائص العامة :
تمتاز النظرية الإسلامية بالشمولية وتغطية التاريخ البشري كلّه ، فالقرآن الكريم في حديثه عن الإنسان ورسالته في الحياة يبدأ من قصّة خلق آدم عليهالسلام التي يولّيها أهمّيّة خاصّة ، فهي تمثّل منطلق التاريخ الإنساني ومؤشّر بدء حركته في الزمان والمكان.
ولم يركّز المفسّرون على البعد الفلسفي التاريخي لقصّة آدم عليهالسلام في القرآن الكريم وحرمنا بالتالي من إيحاءات عديدة لقصّة خلق آدم وسكناه الجنّة وصراعه مع إبليس ...