بسم الله الرّحمن الرّحيم
بين يديّ المقدّمة
تعتمد الإنجازات المعرفية على انتقال الأفكار وعرض البيّنات وتداول الناس ما يهمّهم من شؤون الحياة ، ليخرج الخطاب من دائرته الشخصية والخاصة وينتشر في أفق الإنسانية جمعاء.
ولمَّا كان حصول العلم مرتبطاً بحركة العقل من المعلوم إلى المجهول ، فإنّه يفترض في أي حوار وجود أرضية مشتركة ، أو مبتنيات قبلية متسالم عليها عند طرفي الحوار ، الذي لابدّ له من الاعتماد على ذلك في جولاته ، وإلا فإنّه سيبقى يدور ويدور في أفقٍ محدود خاص لا يتجاوز أهله ، وستُحرم الإنسانية من إنجازاته ، ولابدّ من الإشارة هنا إلى أنّ هذا المتبنّى القبلي قد يكون مسألة جزئية لا يشار إلى ارتباطها بأي شيء آخر ، وتبحث بما هي كذلك ، ونقتفي أثر دليلها الخاص ، وقد يكون مسألة جزئية يُنظر إليها من خلال نظرية كاملة ، ويكون البحث عن دليلها بواسطة ذلك.
وعليه فإنّه يمكن النظر إلى الخطاب أو البيان من جهتين :
أولاهما : جهة وجود متبنّيات مشتركة خاصّة أو عدمها.
ثانيهما : جهة تعلّق الخطاب ، فهل هي مسألة جزئية مع غضّ النظر عن أي شيء آخر؟ ، أو أنّه ينطلق من نظرية شاملة كلّية يظهر فيها موضوع المسألة محلّ الكلام ، كما تبرز أهمّيّتها وروابطها مع سائر عناصر النظرية ، وعليه سيكون عندنا أربعة أنواع من الخطابات لكلّ منها سِمته الخاصّة وأسلوبه الخاص ، وهنالك بونٌ واسع في الهدف والأسلوب بين هذه الأنواع :