الخليفة من الانحراف ، وتوجيهه نحو أهداف الخلافة الرشيدة ، فالله تعالى يعلم ما توسوس به نفس الإنسان ، وما تزخر به من إمكانات ومشاعر ، وما يتأثّر به من مغريات وشهوات ، وما يصاب به من ألوان الضعف والانحلال ، وإذا ترك الإنسان ليمارس دوره في الخلافة دون توجيه وهدى كان خلق عبثاً ومجرّد تكريس للنزوات والشهوات وألوان الاستغلال ـ (١).
وهذا الخطّ ـ الشهادة ـ لا يتمثّل في الأنبياء فقط ، فالشهداء الذين يؤدّون دوراً في هذا الإشراف هم في الواقع ثلاثة أصناف ، ويستدلّ الصدر رحمهالله على ذلك بالآية من سورة المائدة ، يقول تعالى : (انا انزلنا التورئة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا والربنيون والاخبار بما استحفظوا من كتب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولاتشتروا بايتى ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكفرون ).
والأحبار هم علماء الشريعة أمّا الربّانيون فهم درجة وسطى بين الأنبياء والأحبار ، بين النبي والعالم ، وهي درجة الإمام.
فالأنبياء والأئمة والعلماء يمثّلون حلقات هذا الخطّ ، خطّ الشهادة الذي أناط الله بعهدتهم مسؤولية تصحيح المسيرة الإنسانية؛ لأنّ الشهيد ـ مرجع فكري وتشريعي من الناحية الأيديولوجية يشرف على سير الجماعة وانسجامه أيديولوجياً مع الرسالة الربّانية التي يحملها ، وهو مسؤول عن التدخّل لتعديل المسيرة أو إعادتها إلى طريقها الصحيح إذا واجه انحرافاً في مجال التطبيق ـ (٢).
الشكل الرابع : من أشكال التدخّل الإلهي ، هذا الشكل يتمّ من خلال مجموعة النظم والقوانين التي تحكم الطبيعة والتاريخ والمجتمع ، والتي ترجع إلى الإرادة الإلهية المهيمنة على عالم التكوين والتشريع ، ( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) [الأعراف] فالله هو خالق الكون وموجد الطبيعة التي تمثّل الإطار المكاني والزماني لحركة الغنسان ومسيرة المجتمع البشري؛ بل هو مدبّر هذا الكون عبر قوانين الطبيعة ومسيّر حركة التاريخ من خلال سنن التاريخ.
__________________
١ ـ محمّد باقر الصدر ، الإسلام يقود الحياة ، ص ١٦١.
٢ ـ م س ، ص ١٦١.