ويمكن أن نسمّي منظومة القوانين الطبيعية الكونية التي تنظّم حركة الطبيعة ومنظومة القوانين التاريخية والاجتماعية بالقضاء الإلهي.
وأمّا حركة الطبيعة ومسارها الفعلي وحركة المجتمع ومسارها الفعلي فهي حركة القدر الإلهي ، فالقضاء والقدر الإلهيان يمثّلان الشكل الرابع من أشكال التدخّل الإلهي في التاريخ.
من المنطقي أن يكون الإنسان أحد العوامل المؤثّرة في حركة التاريخ ، بل هو محور هذه الحركة ومتعلّق بمختلف التحوّلات الحضارية وآفاق المستقبل البشري ، ولكنّنا نواجه هنا أيضاً نفس التجاذبات بين المدارس المختلفة حول موقع الإنسان وحدود دوره التاريخي ، فبعض الاتجاهات تختزل هذا الدور إلى أبعد حدّ حين تمنح العامل الاقتصادي والصراع الطبقي مثلاً الأثر الأكبر في صناعة التحوّلات والتبدّلات التاريخية والتحكّم في مسيرة الإنسان ، ولا تعطي لهذا الإنسان من وظيفته في هذا المعنى سوى الوعي بالحتمية التاريخية ، أو بالصيرورة التاريخية!
بالمقابل نجد اتجاهات تتطرّف لصالح العامل الإنساني فتمنح البطل الدور المركزي في الأحداث التاريخية وتهمل العوامل الأخرى.
ونعتقد أنّ الرؤية القرآنية للتاريخ وبالتالي المدرسة الإسلامية تقدّم رؤية متوازنة تحفظ للإنسان دوره الواقعي دون مبالغة ولا بخس لموقعه.
والسؤال الذي نترقّب الإجابة عنه : كيف يسهم الإنسان في صنع التاريخ؟
وهو سؤال يستمدّ جذور إجابته من الرؤية الكونية والأصول العقائدية التوحيدية : ففي المنظور الإسلامي العام ليس الإنسان مجبوراً مطلقاً ، ولا مفوّضاً مطلقاً ، ولكن هو بين
__________________
* تلاحظ هنا أنّ هناك شكل آخر من اشكال التدخل الغلهي يمكن أن يكون شكلاً خامساً، ويتمثّل في التدخّل الاستثنائي لله عزّوجلّ كحالات إنقاذ الأنبياء، إنزال العقاب بالأقوام المتمرّدة، إمداد المؤمنين بالملائكة، إنزال السكينة على قلوب المؤمنين ربما يضيف البعض وعلى رأي بعض المباني : المعاجز والكرامات، وقد أعرضنا عن ذكره لما يستوجبه من مقدّمات عقائدية وفلسفية عميقة، فمن أراد الاطلاع على الموضوع أن يراجع المصادر المتخصّصة.