قاعدة التغيير الداخلي ، ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ) [ الرعد ].
هذا المحتوى الداخلي في المنظور القرآني هو القاعدة في بناء الحضارات ، وعلى الرغم من أنّ تجارب الأنبياء تؤكّد أنّ الإطار الجغرافي ، والعوامل العرفية ، والعامل الاقتصادي تؤثّر على حياة الناس وطريقة إدارتهم لقضاياهم العامّة وبالتالي على تاريخهم ، فإنّ ذلك لا يكون على سبيل العلّة التامّة؛ بل هي مقتضيات ويظلّ عمل المجتمع وخياراته الأساسية في الوجود هي المحدّد المحوري لمصير المجتمع.
هل تؤثّر الطبيعة في التاريخ حقّاً؟ هل لعبت دوراً في تاريخ الحضارات فعلاً؟
حينما نتساءل هنا عن دور الطبيعة والنظم الكونية التي تهيمن على الوجود العام ، وحينما ننسب لها دوراً ما في هذا المجال ، يكون ذلك على نحو الإسناد المجازي العقلي ، فالطبيعة كمظهر من مظاهر القدرة الإلهية وإحدى التجلّيات للفعل الإلهي المهيمن على الوجود والإنسان والتاريخ.
فالطبيعة حضن التاريخ ، وبالتالي فالإنسان مضطرّ أن يكيّف حياته ومسيرته وفق خصائصها التكوينية ونواميسها الحاكمة.
لا يمكن للإنسان أن يتمرّد على القوانين التي تحكم بنيته المادّية ( جسمه مثلاً ) ، ولا أن يتمرّد على قوانين الطبيعة من حوله ، قانون الجاذبية ، خصائص المواد ، الثوابت الفيزيائية ... ، فهو ينظّم حياته ويؤسّس لها على قاعدة هذه النظم والقوانين.
وكلّ تأثير سلبي في هذا النظام الطبيعي سيدفع الإنسان ثمنه باهظاً ، وهذا ما نلاحظه بالنسبة للإنسان المعاصر حيث حدثت تحوّلات كونية وبيئية كثقب طبقة الأوزون وتلوّث المحيطات ، وارتفاع درجات الحرارة ... نتيجة الفساد والاستغلال المدمّر وغير المنظّم لثروات الأرض ، ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) [ الروم ].