هذا الإخبار القرآني عن التركيبة التكوينية المزدوجة مهمّ جدّاً؛ لأنّ هذه التركيبة ستوجّه حركة هذا الإنسان في المراحل القريبة ( زمن الحضانة ) ، كما ستوجّه وتتحكّم في مستقبله وفي تاريخه البعيد أيضاً.
لقد تجلّى ذلك بوضوح في المدى القريب حينما انساق آدم ، وتحت تأثير نزوعه الأرضي الطيني إلى الخلود وحبّ البقاء ، إلى تصديق الشيطان الرجيم فيما أوعده من مُلك لا يبلى وخُلد لا فناء بعده.
ويتجلّى ذلك أيضاً في كلّ تاريخ الإنسان وسائر المراحل الممتدّة إلى يومنا الحاضر في الصراع الذي يعيشه هذا الإنسان بين نوازع الخير ونوازع الشرّ ، وبين السمّو والتعالي إلى القيم الروحية التي تشدّه إليها نفحة الروح الإلهية فيه ، وبين الركون إلى الأنوية والشهوة ، كما تفرض عليه قبضة الطين.
والتاريخ يكشف لنا أنّ هناك أناساً ينحازون إلى هذا الجانب ، وهناك آخرون ينحازون إلى الطرف الآخر ، والصراع حتمي بين الفريقين ، وهذا الصراع لابدّ منه لحفظ القيم والوصول إلى النهاية السعيدة. وعن الاستعداد المزدوج توجد عدّة آيات ، ( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) [ البلد ] ، ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) [ الإنسان ] ، ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [ الشمس ] ، ( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَ كِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) [ البقرة ] ، ( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) [ الحج ].
المَعْلَم الثاني المهمّ في هذه المرحلة ، تفضيل آدم ـ بما هو رمز للنوع الإنساني ـ على الملائكة؛ هذه المخلوقات النورانية التي جبلّت على الطاعة المطلقة لله تعالى.
هذا التفضيل يؤشر لموقع آدم الوجودي وعظمة هذا الكائن الذي صدر الأمر الإلهي للملائكة أجمعين أن يسجدوا له تكريماً وتبجيلاً وتعظيماً.