ودامت العلة بأبي عبد الله وضعف ضعفاً شديداً ، وكان يواصل ، فمكث ثمانية أيام لا يأكل ولا يشرب ، فلما كان في اليوم الثامن دخلت عليه وقد كاد أن يطفأ فقلت : يا أبا عبد الله ، ابن الزبير كان يواصل سبعة أيام ، وهذا لك اليوم ثمانية أيام . قال : إني مطيق . قلت : بحقي عليك . قال : فإني أفعل ، فأتيته بسويق فشرب . ووجه إليه المتوكل بمال عظيم فرده ، فقال له عبيد الله بن يحيى : فإن أمير المؤمنين يأمرك أن تدفعها إلى ولدك وأهلك . قال : هم مستعفون فردها عليه ، فأخذها عبيد الله فقسمها على ولده وأهله .
ثم أجرى المتوكل على أهله وولده أربعة آلاف في كل شهر ، فبعث إليه أبوعبد الله : إنهم في كفاية وليست بهم حاجة . فبعث إليه المتوكل : إنما هذا لولدك ، ما لك ولهذا ؟ فأمسك أبوعبد الله . فلم يزل يجري علينا حتى مات المتوكل .
قال حنبل : فلما طالت علة أبي عبد الله كان المتوكل يبعث بابن ماسويه المتطبب فيصف له الأدوية فلا يتعالج ، ودخل المطبب على المتوكل فقال : يا أمير المؤمنين أحمد ليست به علة في بدنه ، إنما هو من قلة الطعام والصيام والعبادة .
وبلغ أم المتوكل خبر أبي عبد الله فقالت لابنها : أشتهي أن أرى هذا الرجل . فوجه المتوكل إلى أبي عبد الله يسأله أن يدخل على ابنه المعتز ويسلم عليه ويدعو له ويجعله في حجره . فامتنع أبوعبد الله من ذلك ، ثم أجاب رجاء أن يطلق وينحدر إلى بغداد ، فوجه إليه المتوكل خلعة ، وأتوه بدابة يركبها إلى المعتز فامتنع ، وكانت عليها مَيْثَرَةُ نُمُور ، فقدم إليه بغل لرجل من التجار فركبه .