ومنها : أن المتوكل قَتل إيتاخ في أوائل خلافته ، ومن يومها أخذ الأتراك يعملون للثأر منه ، قال المسعودي في مروج الذهب « ٤ / ٣٣ » : « كان الأتراك قد رأوا أن يقتلوا المتوكل بدمشق ، فلم يمكنهم فيه حيلة بسبب بُغا الكبير ، فإنهم دبروا في إبعاده عنه ، فطرحوا في مضرب المتوكل الرقاع يقولون فيها : إن بُغا دبَّر أن يقتل أمير المؤمنين .. فقرأ المتوكل الرقاع فبُهت مما تضمنته » .
ومنها : أن المنتصر كان يجهر بأنهم قتلوا أباه ، وبدأ بإبعاد كبير قادتهم وصيف عن العاصمة ، وقد صرحت الروايات بأنهم دبروا قتله .
ومنها : ما رواه الذهبي في تاريخه « ١٨ / ٢٠٠ » أن بغا الصغير دعا بباغر التركي ، وكان باغر أهوج مقداماً ، فكلمه واختبره في أشياء فوجده مسارعاً إليها ، فقال : « يا باغر هذا المنتصر قد صح عندي أنه عامل على قتلي وأريد أن تقتله فكيف قلبك ؟ ففكر طويلاً ثم قال : هذا لا شئ ، كيف نقتله وأبوه يعني المتوكل باقٍ ، إذاٍ يقتلكم أبوه . قال : فما الرأي عندك ؟ قال : نبدأ بالأب . قال : ويحك وتفعل ؟ قال : نعم ، وهو الصواب » . فرتبوا قتل المتوكل .
ومنها : أن ميزان القوة انتقل من المتوكل الى الأتراك ، ثم لم يرجع الى أحد من الخلفاء العباسيين ، حتى جاء البويهيون وقضوا على الأتراك .
فهذه القرائن المتقابلة توجب التوقف في نسبة قتل المتوكل الى المنتصر ، نعم يظهر أنه كان مطلعاً على نيتهم ، أو محركاً إضافياً لهم .