( لِنَعْلَمَ ) فلم يعمل فيه ، وأَحْصى فعل ماض ، ومعناه : ( أَيُّ الْحِزْبَيْنِ ) من المؤمنين والكافرين من قوم أصحاب الكهف أضبط أمدا لأوقات لبثهم ، ولا يكون أَحْصى من أفعل التفضيل في شيء ، لأنه لا يبنى من غير الثلاثي المجرد ، ولم يزل سبحانه عالما بذلك وإنما أراد ما تعلق به العلم من ظهور الأمر لهم ليزدادوا إيمانا ، وقيل : يعني ب ( الْحِزْبَيْنِ ) أصحاب الكهف وإنهم لما استيقظوا اختلفوا في مقدار لبثهم.
قوله : ( وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ ) يعني أنه يعسر عليكم ضبط أوقات الليل وحصر ساعاته ، بل سبحانه هو المقدر لذلك ، أي العالم بمقداره ، قوله : ( فَتابَ عَلَيْكُمْ ) قيل : معناه نسخ الحكم الأول ، بأن جعل قيام الليل تطوعا بعد أن كان فرضا ، وقيل : معناه لم يلزمكم إثما ولا تبعه ، وقيل : معناه خفف عليكم ، لأنهم كانوا يقومون الليل كله حتى انتفخت أقدامهم فخفف ذلك عنهم.
قوله : ( وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ ) رُوِيَ : « أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (ع) هُوَ ذَلِكَ الْإِمَامُ ». ورُوِيَ : « أَنَّهُ (ع) مَرَّ بِأَصْحَابِهِ عَلَى وَادٍ يَضْطَرِبُ نَمْلاً ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : سُبْحَانَ مَنْ يَعْلَمُ عَدَدَ هَذَا النَّمْلِ ، فَقَالَ (ع) : لَا تَقُلْ كَذَا قُلْ : سُبْحَانَ مَنْ خَلَقَ هَذَا النَّمْلَ ، فَقَالَ : كَأَنَّكَ تَعْلَمُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (ع) قَالَ : نَعَمْ وَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُهُ وَأَعْلَمُ الذَّكَرَ مِنْهُ مِنَ الْأُنْثَى ، فَلَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ إِلَى ذَلِكَ ، فَقَالَ (ع) : أَوَمَا قَرَأْتَ يس؟ فَقَالَ : بَلَى ، قَالَ : فَمَا قَرَأْتَ قَوْلَهُ تَعَالَى : ( وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ )؟ ».
وفِي الْحَدِيثِ : « إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْماً مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ». قيل : المراد من حفظها في قلبه ، وقيل : من علمها وآمن بها ، وقيل : من استخرجها من الكتاب والسنة ، وقيل : من أطاق العمل بها ، مثل من يعلم أنه سميع بصير يكف سمعه ولسانه عما لا يجوز له ، وكذا