بالألف فهو شقي.
وَفِي الْحَدِيثِ : « الشَّقِيُ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ » (١). أي من قدر الله عليه في أصل خلقته أن يكون شَقِيّاً فهو الشَّقِيُ حقيقة لا من عرض له بعد ذلك ، وهو إشارة إلى شقاء الآخرة لا شقاء الدنيا. والأوضح في معناه ما قيل هو أن الشَّقِيَ حق الشقي من علم الله أنه سَيَشْقَى في فعله من اختياره الكفر والمعصية في بطن أمه فكأنه في بطن أمه علم الله ذلك منه والمعلوم لا يتغير ، لأن العلم يتعلق بالمعلوم على ما هو عليه والمعلوم لا يتبع العلم ، فإذا كان زيد أسود في علم الله فعلم الله لا يصيره أسود. وفي تسميته في بطن أمه شَقِيّاً نوع مبالغة ، أي سيصير كذلك لا محالة كقوله تعالى : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) أي إنك ستموت. وقيل : أراد بالأم جهنم كما في قوله تعالى : ( فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ ) أي الشقي كل الشقي من شقي في نار جهنم وهي شقاوة لا شقاوة مثلها.
وفيه عَنِ الصَّادِقِ (ع) وَقَدْ سُئِلَ : مِنْ أَيْنَ لَحِقَ الشَّقَاءُ أَهْلَ الْمَعْصِيَةِ حَتَّى حَكَمَ اللهُ لَهُمْ فِي عِلْمِهِ بِالْعَذَابِ عَلَى عَمَلِهِمْ؟ فَقَالَ : « حُكْمُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَقُومُ لَهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ بِحَقِّهِ ، فَلَمَّا حَكَمَ بِذَلِكَ وَهَبَ لِأَهْلِ مَحَبَّتِهِ الْقُوَّةَ عَلَى مَعْرِفَتِهِ وَوَضَعَ عَنْهُمْ ثِقْلَ الْعَمَلِ [ بِحَقِيقَةِ مَا هُمْ أَهْلُهُ ] ، وَوَهَبَ لِأَهْلِ الْمَعْصِيَةِ الْقُوَّةَ عَلَى مَعْصِيَتِهِمْ لِسَبْقِ عِلْمِهِ فِيهِمْ وَمَنَعَهُمْ إِطَاقَةَ الْقَبُولِ مِنْهُ ، فَوَافَقُوا مَا سَبَقَ لَهُمْ فِي عِلْمِهِ وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَأْتُوا حَالاً تُنْجِيهِمْ مِنْ عَذَابِهِ ، لِأَنَّ عِلْمَهُ أَوْلَى بِحَقِيقَةِ التَّصْدِيقِ ، وَهُوَ مَعْنَى شَاءَ مَا شَاءَ وَهُوَ سِرُّهُ » (٢). قال بعض الأفاضل من شراح الحديث : قَوْلُهُ (ع) : « فَلَمَّا حَكَمَ بِذَلِكَ وَهَبَ .. إلخ » المراد حكمه تعالى في التكليف الأول يوم الميثاق قبل تعلق الأرواح بالأبدان حيث ظهرت ذلك يوم الطاعة والمعصية فقال جل وعز مشيرا إلى من ظهرت ذلك اليوم منه الطاعة : « هَؤُلَاءِ إِلَى الْجَنَّةِ وَلَا أُبَالِي »
__________________
(١) الكافي ج ٨ ص ٨١.
(٢) الكافي ج ١ ص ١٥٣.