ومشيرا إلى من ظهرت ذلك اليوم منه المعصية : « هَؤُلَاءِ إِلَى النَّارِ وَلَا أُبَالِي ». فلما علم تعالى أن أفعال الأرواح بعد تعلقها بالأبدان موافقة في يوم الميثاق مهد لكل روح شروطا تناسب ما في طبعه من السعادة والشَّقَاوَةِ. ثم قال : قَوْلُهُ (ع) : « ومَنَعَهُمْ إِطَاقَةَ الْقَبُولِ ». معناه أنه لم يشأ ولم يقدر قبولهم ، ومن المعلوم أن المشية والتقدير شرطان في وجود الحوادث. ثُمَّ قَالَ : « ولَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَأْتُوا .. إلخ » معناه ـ والله أعلم ـ أنه لم يقدروا على قلب حقائقهم بأن يجعلوا أرواحهم من جنس أرواح السعداء ، وهو معنى قَوْلِهِ (ع) : « ولَا يَسْتَطِيعُ هَؤُلَاءِ أَنْ يَكُونُوا مِنْ هَؤُلَاءِ وَلَا هَؤُلَاءِ أَنْ يَكُونُوا مِنْ هَؤُلَاءِ ». ثم قال : وَقَوْلُهُ (ع) : « لِأَنَّ عِلْمَهُ أَوْلَى بِحَقِيقَةِ التَّصْدِيقِ ». تعليل لِقَوْلِهِ : « فَوَافَقُوا مَا سَبَقَ لَهُمْ فِي عِلْمِهِ ».
ثم بين (ره) قاعدة تناسب المقام فقال : الجمادات إذا خليت وأنفسها كانت في أمكنة مخصوصة تناسب طباعها ، وكذلك الأرواح إذا خليت وإرادتها اختارت الطاعة أو المعصية بمقتضى طباعها.
وفِيهِ : « هُمُ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى جَلِيسُهُمْ ». أي لا يخيب عن كرامتهم فَيَشْقَى. وقيل : إن صحبتهم مؤثرة في الجليس ، فإذا لم يكن له نصيب مما أصابهم كان محروما فَيَشْقَى.
وَفِي حَدِيثِ الصَّادِقِ (ع) : « إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ أَشَقِيٌ الرَّجُلُ أَمْ سَعِيدٌ فَانْظُرْ سَيْبَهُ وَمَعْرُوفَهُ إِلَى مَنْ يَضَعُهُ إِلَى مَنْ هُوَ أَهْلُهُ فَاعْلَمْ أَنَّهُ إِلَى خَيْرٍ ، وَإِنْ كَانَ يَضَعُهُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ ».
وفِيهِ : « بَيْنَ الْمَرْءِ وَالْحِكْمَةِ نِعْمَةُ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلُ شَقِيٌ بَيْنَهُمَا ». أي بين نفسه والحكمة ، أي ليس بسعيد ـ كذا وجدناه في النسخ كلها. وقال بعض علمائنا المتأخرين : ولا يزال يختلج في البال أن هنا سهوا من قلم الناسخ صوابه والجاهل شفا عنهما ، وزان « نوى » ، وشفا كل شيء طرفه ، والمعنى : صاحب الجهل في