حَتَّى يَخْرُجَ إِلَى غَيْرِهِ فَلْيُكْتَبْ إِلَيْهِمْ أَيْضاً بِمِثْلِ ذَلِكَ فَلَا يَزَالُ هَذِهِ حَالَهُ سَنَةً ، فَإِذَا فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ تَابَ وَهُوَ صَاغِرٌ ».
وفيه : « الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ يُنْفَى خَبَثُهَا ». أي تخرجه عنها ، من نَفَيْتُهُ نَفْياً : أخرجته وفيه : « حِجُّ الْبَيْتِ مَنْفَاةٌ لِلْفَقْرِ (١) ». أي مظنة لدفعه.
ولِلنَّفْيِ طرائق ذكرها في المصباح هي أنه إذا ورد النَّفْيُ على شيء موصوف بصفة فإنه يتسلط على تلك الصفة دون متعلقها نحو « لا رجل قائم » فمعناه لا قيام من رجل ، ومفهومه وجود ذلك الرجل ، ولا يتسلط النَّفْيُ على الذات الموصوفة ، لأن الذات لا تُنْفَى وإنما يُنْفَى متعلقاتها.
قال : ومن هذا الباب قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ ) [ ٢٩ / ٤٢ ] فَالْمَنْفِيُ إنما هو صفة محذوفة لأنهم دعوا شيئا محسوسا هو الأصنام ، والتقدير من شيء ينفعهم أو يستحق العبادة ونحو ذلك ، لكن لما انْتَفَتِ الصفة التي هي الثمرة المقصودة وقع النَّفْيُ على الموصوف مجازا كقوله تعالى : ( لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى ) [ ٨٧ / ١٣ ] أي لا يحيا حياة طيبة ، ومنه قول أحد الناس : « لا مال لي » أي لا مال كاف أو لا مال لي يحصل به الغنى ، وكذلك « لا زوجة لي » أي حسنة ونحو ذلك. وهذه الطريقة هي الأكثر في كلامهم ، ولهم طريقة أخرى معروفة وهي نَفْيُ الموصوف فَتَنْتَفِي تلك الصفة بِانْتِفَائِهِ ، فقولهم : « لا رجل قائم » معناه لا رجل موجود فلا قيام منه ، وخرج على هذه الطريقة قوله تعالى : ( فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ ) [ ٧٤ / ٤٨ ] أي لا شافع فلا شفاعة منه ، وكذا ( بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ) [ ١٣ / ٢ ] أي لا عمد فلا رؤية ، وكذا ( لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً ) [ ٢ / ٢٧٣ ] أي لا سؤال فلا إلحاف. قال : وإذا تقدم النفي أول الكلام كان النفي للعموم نحو « ما قام القوم » فلو كان قد قام بعضهم فلا كذب ، لأن نَفْيَ العموم لا يقتضي نفي الخصوص ، ولأن
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه ١ / ١٣١.