وفرحكم على الآتي ، وكذا إذا علمتم أن شيئا منها لا يبقى لم تهتمّوا لأجله واهتَمَمْتُم لأمور الآخرة التي تدوم ولا تبيد.
قوله : ( إنا برءاء منكم ومما تعبدون ) ـ بالضم ـ أي بريئون ، وقرئ « بَرَاءٌ » بالفتح وزن « سلام » (١).
قوله : ( بَراءَةٌ مِنَ اللهِ ) أي هذه الآيات براءة و « من » لابتداء الغاية. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ (ره) : أَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ (ص) حِينَ نَزَلَتْ بَرَاءَةُ دَفَعَهَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْهُ وَدَفَعَهَا إِلَى عَلِيٍّ (ع) وإن اختلفوا في تفصيله (٢).
قوله تعالى : ( أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) أي هم خير الخلق ، من « بَرَأَ الله الخلق » أي خلقهم ، فتركت همزتها ، ومنهم من يجعلها من « البرء [ البرى ] » وهو التراب لخلق آدم منه. قال الشيخ أبو علي (ره) : قرأ نافع وذَكْوان الْبَرِيئَةَ مهموزا والباقون بغير همز ، والمعنى : أولئك هم خير الخليقة ، قال : ورُوِيَ مَرْفُوعاً إِلَى يَزِيدَ بْنِ شَرَاحِيلَ الْأَنْصَارِيِّ كَاتِبِ عَلِيٍّ (ع) قَالَ : « سَمِعْتُ عَنْ عَلِيٍّ (ع) قَالَ : قُبِضَ رَسُولُ اللهِ (ص) وَأَنَا مُسْنِدُهُ إِلَى صَدْرِي فَقَالَ : يَا عَلِيُّ أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) وَهُمْ شِيعَتُكَ وَمَوْعِدِي وَمَوْعِدُكَ الْحَوْضُ إِذَا اجْتَمَعَتِ الْأُمَمُ لِلْحِسَابِ ، يُدْعَوْنَ غُرّاً مُحَجَّلِينَ ». وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ( أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) قَالَ : « نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ (ع) وَأَهْلِ بَيْتِهِ ».
قوله : ( وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي ) الآية. قال الشيخ أبو علي (ره) : ثم تواضع لله ـ يعني يوسف ـ وبين أن ما به من الأمانة إنما هو بتوفيق الله وعصمته ( وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي ) من الزلل لأنَ ( النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ) أراد الجنس ( إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي ) إلا البعض الذي رحمه ربي بالعصمة. وقيل : من كلام امرأة العزيز ،
__________________
(١) وهذا لا يثنى ولا يجمع ، لأنه في الأصل مصدر مثل « سمع سماعا » بخلاف ما إذا قلت : « أنا بريء منه » فإنه يثنى ويجمع ، كما يأتي تفصيله ـ م.
(٢) انظر البرهان ٢ / ١٠٠ ، والدر المنثور ٣ / ٢٠٩.